الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
وســـعت كل شيء، فلعل من تراه اليوم على معصية يكون غدًا على أفضل الطاعات، وأعظم القربات.
يا لها من حكمة أراحت قلبى كثيرًا، وجعلتنى أنظر نظرة أمل فى رحمة الله لكل عاص، ولحظة توب من الكريم الوهاب الغفار لكل مسيء، ونظرة استصغار للنفس وتواضع للقلب بين خلق الله فلا أدرى منزلتى بينهم فربنا كنت أقلهم عند الله منزلة.وبقلب موقن بصدق الله ورسوله كم تأملت قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه عبد الله بن مسعود رضى الله عنـه قال: حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الصادق المصدوق (إن أحدكم يجمع فى بطن أمه أربعين يوماً نطفه، ثم يكون علقه مثل ذلك، ثم يكون مضغه مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وٍأجله وعمله وشقى أم سعيد، فو الله الذى لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) [رواه البخاري].
وتحضرنى كثير من المواقف التى قبل الله فيها توبة العاصين، فكانوا أحسن خاتمة من كثير من المعجبين بطاعتهم المكثرين منها، وكانوا أعظم منزلة عند الله من كثير ممن كانوا يشار إليهم بالبنان يوصفون بأحباب الرحمن.
عن أبى غالب قال: (كنت أختلف إلى الشام فى تجارة، وعظم ما كنت أختلف من أجل أبى أمامة، فإذا فيها رجل من قيس، من خيار الناس، فكنت أنزل عليه، ومعنا ابن أخ له مخالف، يأمره وينهاه ويضربه، فلا يطيعه، فمرض الفتى، فبعث إلى عمه، فأبى أن يأتيه، فأتيته أنا به، حتى أدخلته عليه، فأقبل عليه يشتمه ويقول: أى عدو الله، الخبيث، ألم تفعل كذا؟ ألم تفعل كذا؟ قال: أفرغت أى عم؟ قال: نعم، قال: أرأيت لو أن الله دفعنى إلى والدتي، ما كانت صانعة بي؟ قال: إذا والله كانت تدخلك الجنة، قال: فوالله لله أرحم بى من والدتي، فقبض الفتى، فدخلت القبر مع عمه، فخطوا له خطا، ولم يلحدوا له، قال: فقلنا باللبن، فسويناه، قال: فسقطت منها لبنة، فوثب عمه فتأخر، فقلت: ما شأنك؟ قال: ملئ قبره نورا، وفسح فيه مثل مد البصر).
كان يناديه عمه بالخبيث وبعدو الله، فإذا هو ساعة موته طيبًا مطهرًا حبيبًا لله رب العالمين.
وعن ثابت البنانى قال: (كان شاب له رهق، وكانت أمه تعظه، تقول: يا بني، إن لك يوما، فاذكر يومك، إن لك يوما فاذكر يومك، فلما نزل أمر الله، انكبت عليه أمه فجعلت تقول: يا بني، قد كنت أحذرك مصرعك هذا وأقول لك: إن لك يوما فاذكر يومك، قال: يا أمه، إن لى ربا كثير المعروف، وإنى لأرجو أن لا يعدمنى اليوم بعض معروف ربى أن يغفر لي، قال: يقول ثابت: فرحمه الله لحسن ظنه بربه فى حاله تلك).تواضع دائمًا أمام الخلق، ولا تحقر أحدًا فرب مسيء كتب الله له السعادة الأبدية، ورب مطيع لا يدرى ما يختم له بالطاعة أو بالمعصية، نسأل الله العلى العظيم أن يرزقنا حسن الختام وأن نكون ممن سبق عليهم الكتاب بالحسنى وكتبوا فى أم الكتاب من السعداء.
علمتنى الحياة ألا أحقر أحدًا لذنبه ما دامت رحمة الله
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة