كيف نستقبل رمضان.. شهر الرحمة والخير والغفران؟!

محاضرات
طبوغرافي

بقلم

الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامي 

 

أقبل شهر الرحمة والخير والغفران، شهر يؤوب فيه العباد إلى الله، وترجو القلوب بارئها وربها، وتقصد الأرواح باب الكريم الرحيم الذي يبسط النعم ويغفر الزلات وينزل الرحمات ويقضي الحاجات ويقبل التوبة، ويهب من الخيرات لعباده التائبين الداعين بغير حساب.
فماذا نجمع من زاد كي نستقبل رمضان؟ هناك كثير من أبواب الخيرات التي لا تحصى نذكر أهمها التي ينبغي للمؤمن أن يتخذها أبوابًا للقرب من الرحيم الوهاب.

زينة رمضان22

أولًا: الدعاء كما علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم:

حيث كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأى الهلال قال: ((اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله)) [صحيح الجامع].
ولابد أن يغتنم المؤمن شهر رمضان بكثرة الدعاء فإنه شهر الخير والنعم يستجاب فيه الدعاء، وتقضى فيه الحاجات، فليغتنم العبد هذا الشهر، ويدعو ربه الكريم الرحيم الذي لا يغلق بابه دون عباده ولا يرد من دعاه.
قال صلي الله علية وسلم : ((أفضل العبادة الدعاء)).
وقال صلي الله علية وسلم : ((ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء)) .
وقال صلى الله علية وسلم : ((إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا خائبتين)) .

رمضان كريم .الـلافي2وقال صلى الله علية وسلم : ((لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر)).
فمن يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له، ومن سره أن يستجيب الله له حال الشدة والضيق فليكثر من الدعاء حال الرخاء، وليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، وليلح في الدعاء ؛ ففي المتفق عليه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يستجيب الله لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل))، قالوا: وما الاستعجال يا رسول الله؟ قال: ((يقول: قد دعوتك يا رب، قد دعوتك يا رب فلا أراك تستجيب لي، فيتحسر عند ذلك فيدع الدعاء)).
وفيهما عنه أيضًا قال: قال رسول الله : ((لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارزقني إن شئت، ليعزم مسألته؛ فإنه يفعل ما يشاء لا مكره له))، وفي صحيح مسلم عنه أيضًا أن رسول الله قال: ((إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم وليعظم الرغبة؛ فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه)).
فينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء، وأن يكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريمًا.

 

زينة رمضان22

ثانيًا: تصحيح النية في اغتنام شهر رمضان:

في صومه وفعل الخيرات والعبادة والتقرب من الله سبحانه وتعالى، فإن للنية فضل عظيم قد يدرك به العبد المؤمن الخير الكثير، وربما كتبت له أفعال لم يفعلها بصلاح النية :
روى عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه-: قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ ورَسُولِه، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ ورَسُوْلِهِ؛ ومَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)).
والنية محلها القلب :
قال ابن القيم: ولم يكن يقول - صلى الله عليه وسلم- في أوله: نويت رفع الحدث، ولا استباحة الصلاة، لا هو ولا أحد من الصحابة البتة، ولم يُروَ عنه في ذلك حرف واحد، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف.
وقال ابن تيمية: اتفق الأئمة أنه لا يشرع الجهر بها، ولا تكريرها.

 

ثالثًا : التوبة إلى الله واستقبال شهر رمضان بقلب سليم :

قال الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } وقال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} وقال الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء 17 ] وقال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}
وعن قتادة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إني لأتوب في اليوم سبعين مرة)) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه ثلاثًا)) غفرت له ذنوبه وإن كان فارًّا من الزحف.

زينة رمضان22

رابعًا : الإخلاص لله في الصيام:

قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] والإخلاص روح الطاعات، ومفتاح لقبول الباقيات الصالحات، وسبب لمعونة وتوفيق رب الكائنات، وعلى قدر النية والإخلاص والصدق مع الله وفي إرادة الخير تكون معونة الله لعبده المؤمن، قال ابن القيم - رحمه الله : ((وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك يكون توفيقه - سبحانه وتعالى- وإعانته)).

 

خامسًا: سلامة الصدر مع المسلمين:

فليحرص العبد المؤمن في رمضان وغير رمضان ألا تكون بينه وبين أي مسلم شحناء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك أو مشاحن)) [ صحيح الترغيب والترهيب].
قال ابن القيم -رحمه الله- في الرضا: إنه يفتح للعبد باب السلامة فيجعل قلبه نقيًّا من الغش والدغل والغل، ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم، كذلك وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضا، وكلما كان العبد أشد رضا كان قلبه أسلم، فالخبث والدغل والغش: قرين السخط، وسلامة القلب وبره ونصحه: قرين الرضا وكذلك الحسد هو من ثمرات السخط، وسلامة القلب منه ومن ثمرات الرضا.

زينة رمضان22

سادسًا: وهو من أهم الأمور وأحبها إلى الله: الانشغال بقراءة القرآن في رمضان واتخاذه أنيسًا ورفيقًا فهو دواء لكل داء، والمحروم من لم يتداو بكتاب الله، قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44] وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]، قال ابن القيم -رحمه الله: والصحيح أن (من) ههنا لبيان الجنس لا للتبعيض، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}[يونس: 57]، فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة.
سابعًا : كثرة الصدقات في رمضان:
فهي تطهر القلب، وتزكي النفس، ولذلك قال الله -تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة: 103].
وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((داووا مرضاكم بالصدقة)) [صحيح الجامع] وأن أحق المرضى بالمداواة مرضى القلوب، وأحق القلوب بذلك قلبك الذي بين جنبيك.
نسأل الله العلي العظيم أن يغسلنا بالصيام والدعاء من هجير البعد عن الله، وأن يقربنا ويرضى عنا ويغفر لنا ويرحمنا ويجعل لنا نصيبًا من نعمه ورحمته وخيراته وبركاته، إنه نعم المولى ونعم النصير.