حقوق الإنسان “بين الإسلام والغرب”

محاضرات
طبوغرافي

 الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ) [الإسراء:70].
 لقد ختم الله: هذه الآيات بتقرير هذه الحقيقة، وهى أنه سبحانه أتى عباده من كل ما سألوه، وأنهم لو ذهبوا يعدَّون نعمه عليهم لما تمكنوا من إحصائها، وهذا يعنى أن ما خلقه الله فى الكون من ثروات، وما بثه على ظهر الأرض من خيرات، وما أودعه فى بطنها من أرزاق يكفى لإشباع جميع الحاجات التى يكشف عنها تقدم الإنسان، فقوله تعالى ( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ) صالح فى كل زمان ومكان؛ حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فكانت حاجات العباد مكفولة، وموارد إشباع هذه الحاجات كثيرة، ونعم الله عليهم وفيرة .

الاقتصاد ليس معناه التوفير والادخار، وإنما هو التوسط والاعتدال .
والإطار العام للنظام الاقتصادى الإسلامى، يتركز على عدة عناصر رئيسة تتمثل فى :

-أن مصادر الثروة تعتبر أمانة منحها الله للإنسان، وجعله أمينًا عليها، مستخلفًا فيها، وعلى ذلك يحدد المسلم جهوده، ونشاطه الاقتصادى داخل نطاق هذه الأمانة والثقة، التى أولاها الله له .

-أن الثروة لابد أن تكون مكتسبة بالعمل والجهد، وبوسائل مشروعة ويجب حمايتها والمحافظة عليها، واستخدامها طبقًا لما أمرنا به الله ورسوله .

أنه يجب أن توزع الثروات توزيعًا عادلًا، فعندما تفى ثروة الفرد طاقة حاجاته الضرورية والمشروعة دون ( تقتير أو إسراف )، فإن عليه إنفاق الفائض؛ لسد حاجات المحتاجين .

- أن جميع الثروات التى يمتلكها الفرد بصورة خاصة، والأمة بصورة عامة يجب أن تُستثمر لأقصى حد ممكن، فلا يحق للدولة أو الجماعة أو الفرد اكتنازها أو تبديدها، فيما حرم الله ورسوله .

- أن التطور والتقدم من المتطلبات الضرورية، وأن المشاركة فى النشاط الاقتصادى أمر أوجبه الله تعالى على كل مسلم، فعليه أن يعمل بجد فى سبيل إنتاج وكسب ما يفيض عن احتياجاته الفردية؛ حتى يتسنى له إخراج الزكاة، ويساهم فى النهوض بمجتمعه.
- أن لكل فرد الحق فى أن ينال أجرًا عادلًا جزاءً لعمله، دون أى تمييز قائم على أساس “ العرق، أو الجنس، أو اللون، أو الدين “.

- أن الكسب الحلال، والإرث المشروع، هما أساس الدخل الذى يعترف به الإسلام، وإن تنمية الثروات، وكافة وسائل الإنتاج يجب أن تكون مطابقة لنصوص الشريعة الإسلامية “ فالربا، والمقامرة، واكتناز الأموال” دون استثمارها فى التنمية، وما شابه ذلك من الأمور التى يحرمها الإسلام كمصدر للدخل.

- إنما المؤمنون أخوة: فمبادئ المساواة والأخوة فى الإسلام توجب تطبيق حق المشاركة العادلة فى حالة اليسر أو العسر، فحق الزكاة والصدقات، والعفو والميراث هى من مبادئ التوزيع العادل للثروة فى المجتمع الإسلامى .

- إن التكافل الاجتماعى يعطى المحرومين، والمستضعفين، والعاجزين الحق فى ثروات المجتمع، الذى يعتبر مسئولًا مسئوليةً كاملة عن تزويدهم بالمسكن والملبس، والمأكل والتعليم، والرعاية الصحية؛ وذلك دون تمييز فى “ السن، أو الجنس، أو اللون، أو الدين “.
- يجب إقامة الثروة الاقتصادية للأمة الإسلامية على أسس من التعاون، والتكافل الصالح لأبنائها .

سخر الله عز وجل هذه البيئة، لتكون خادمة للإنسان حتى يستطيع إقامة تكليف العبودية لله تعالى
- ينظر الإسلام للبيئة من منطلق أنها ملكية عامة يجب على الإنسان المحافظة عليها، وعدم الإفساد فيها حتى يستمر وجوده عليها، فقال الله تعالى: ( وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) [الأعـراف:85].

نعم لقد سخر الله عز وجل هذه البيئة، لتكون خادمة للإنسان حتى يستطيع إقامة تكليف العبودية لله تعالى، فقد قال تعالى:( اللَّهُ الَّذِى سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِى الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «12» وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ «13» ) [الجاثيــة].

ولقد أوضح القرآن الكريم أن لكل كائن مما نعلمه فى هذا العالم له وظيفتان هما: الأولى: وظيفة اجتماعية، وتتمثل فى خدمة الإنسان .

الثانية: وظيفة دينية، وتتمثل فى كونها آية على وجود صانعه وحكمته وعلمه وإتقانه: فقال تعالى ( الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى «53» كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِى النُّهَى «54» ) [طــــه].

وختامًا، يمكن أن نعرض أهم النقاط التى عرضنا لها فى هذا الكتاب الثريّ:
حق الإنسان المعاصر هو ما اتفق على ثبوته للإنسان، وذلك من خلال المواثيق الدولية، ومن خلال الشريعة الإسلامية، فقد نادت اليهودية بالمحبة والحق؛ ولكن اليهود لم يتمسكوا بما جاءت به، وأضافوا عليها ما يفيد العنصرية، وجاء “الإنجيل” بالسلام والأمن للبشرية، وأيضًا أضاعها أتباعه تبعًا لأهوائهم، ثم جاء الإسلام كافلًا لحقوق الإنسان متميزًا بالنظرة الشاملة والجامعة التى تقوم على الرحمة والمساواة، ومراعاة حقوق الآخرين .

وقد كفل الإسلام للإنسان حقه فى الحياة والعقيدة، وكرمه حيًّا وميتًا، ومنحه حرية العقيدة وحرية العبادة، وفقًا لمعتقده، كما شرع الله القتال للدفاع عن النفس، وصد المعتدين، وهو ما لم تسمو إليه النظرة الغربية بتشريعاتها.

كما جاء الإسلام ليقدم للبشرية مفهومه الجامع سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وصحيًّا وبيئيًّا، بعد أن تردت طويلًا فى الصراعات والمفاهيم المادية، والعجز عن التصور الكامل، وكانت أبلغ قصورًا عن التوحيد، وإقامة العلاقة الحقيقية بين الإنسان والله : خالقًا ورازقًا (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فيقرر الإنسان بأنه مستخلف لله: فى الأرض، عليه أن يقوم بمسئوليته فى العمران، والسعى فى الأرض على نفس المنهج الذى رسمه له خالقه .