كفل الإسلام للإنسان حقه في الحياة والعقيدة، وكرمه حيًّا وميتًا

محاضرات
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

إن عظمة التشريع الإسلامى تتجلى فى سمو التشريعات فى جميع ما تحتاجه الأمم، وما تتطلع إليه الأمم والشعوب من آمال وطموحات، ولكونها حقوقًا فإنها فى الإسلام تأخذ طابع الضرورة والمصلحة للفرد والجماعة، بما ينطلق من العقيدة الصحيحة، والفهم الصحيح لكتاب الله وسنة رسوله، ولكونها من الإسلام فهى تقوم على الرحمة والعدل، والشفقة والرفق والإنصاف، والتيسير على الناس، ومراعاة ظروفهم فى كل عصر. ولكون هذه الحقوق فى الإسلام تستمد مصدرها من الشريعة الإسلامية، فإن الشارع الإسلامى كفل التوازن فى الحقوق بين حق الفرد، وحق الجماعة، وحق الدولة، وحق الأمم فى أروع صورة، وأمثل نظام عرفه التاريخ، دون هوى، أو اتباع للباطل، أو التقليد عن جهل.

 
وجاء هذا الكتاب ليوضح جانبًا مهمًا من جوانب الحضارة الإسلامية بتشريعاتها السمحة، وجاء هذا الكتاب على سبعة فصول، حيث تناول الفصل الأول: التطور التاريخى لحقوق الإنسان عبر العصور، والفصل الثاني: حقوق الإنسان الدينية بين الإسلام والغرب، والفصل الثالث: حقوق الإنسان السياسية، والفصل الرابع: حقوق الإنســــان الاقتصـادية، والفصل الخامس: حقوق الإنسان الاجتماعية، الفصل السادس: حقوق الإنسان البيئية والصحية، والفصل السابع: الإعلان العالمى لحقوق الإنسان [ دراسة مقارنة بين الإسلام والغرب ]. - إن التطور التاريخى لحقوق الإنسان ليس وليد العصر الحديث، وإنما نتاج مراحل تطورية؛ ولكن بدأها الإنسان بالعدوان على الحقوق، وهذا ما عرفناه من وثيقة الإسلام فى قصة ( ولدى آدم) فى فجر التاريخ عندما ارتكبت الجريمة الأولى فى الوجود بمقتل هابيل على يد شقيقه قابيل، وتطورت هذه الحقوق مع تطور الإنسان على مدى الدهور والأزمان، وقد مرت البشرية فى طورها الأول تَعْرِفُ العدوان أكثر مما تعرف الحق، وتحترم القوة أكثر مما تحترم [الحرمة] .

وتأسيسًا على ذلك، فإن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده بمعزل عن الناس، بل لابد أن يعيش مع أمثاله ويُكون معهم جماعة، وأن ينظم علاقته مع الجماعة التى يعيش فيها، ويخضع لقواعد تحكم سلوكه وتصرفاته؛ لذلك نشأ نظام أطلقوا عليه ( القانون )، فكان للجماعات البدائية أحكام وتقاليد دينية، تطورت على مر السنين؛ فغدت عادات وأعرافًا كان أساسها القانون.

وجاء الإسلام داعيا منذ بزوغ فجره إلى صيانة حقوق الإنسان، ورفع شعارها فى جميع المجالات، كما أنه دعا إلى حرية التفكير، ولم يلغ الطاقات العقلية التى وهبها الله للإنسان، فهو يقر إقرارًا صريحًا واضحًا بحرية الفكر، وانطلاق النفس من كل خرافة ووهم، وارتفعت كلمات رسول الله تعلم وتربى وتشرع: ” المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرض “.

إن حماية إنسانية الإنسان هو مقصد الشريعة الإسلامية وغايتها، ذلك أن الشريعة، إنما جاءت لتحقيق مصالح العباد فى معاشهم ومعادهم، وأن مصالحهم لا تتحقق إلا بحماية الضروريات الخمس ( الدين، والنفس، والعقل، والعِرْض، والمال )، والتى عنى بها العلماء أيما عناية، وهى مصادر إلهية من عند الله - عز وجل - تصون الإنسان وتحفظه وتظله تحت ظلال الرحمة، وتعطف عليه تحت أشجار الحنان، ولعلك تندهش عند عرض هذه الخصائص الكريمة لحقوق الإنسان فى الإسلام فواضعها ( الحق) وهو الله - جل جلاله - وعظم سلطانه، وأنه يتولى الحق
وهو الذى تفضل بها على الإنسان، وإنها لأعز على الله تعالى من بيته الحرام، ومن هذا فحمايتها وصونها والذود عنها قربى لله، ومن هنا تتأتى لها حماية، وقدسية لا تتوافر فى نظريات الغرب.

أداء الواجب مقدم على المطالبة بالحق
- وجوب الحقوق: فأداء الواجب مقدم على المطالبة بالحق، والحقوق تحميها الحدود، والتشديد على أن العدوان على الحقوق من أعظم الحرمات، والحث على إعطاء الحقوق بالإحسان، مثل: الصدقات والحث عليها فى الزيادة والحفاظ على حقوق الفقراء، والإحسان إلى الناس وحسن الخلق للعيش فى مجتمع آمن يملؤه الحب والإيمان .

حق الإنسان في الحياة
-إن أول حق من حقوق الإنسان، هو حقه فى الحياة؛ إذ بدون كفالة الحق فلا مجال، ولا إمكانية لأن يتمتع الإنسان بحقوقه الأخرى، وقد دعا الإسلام الحنيف منذ بدايته إلى حفظ النفس، والتشديد على حمايتها، وعدم قتلها، ويلاحظ ذلك فى آيات كثيرة تحذر من اقتراف الجرم من قتل الإنسان بغير حق شرعى، حتى الملائكة خشيت من وقوع القتل فى الأرض، التى خلقها الله وخلق الإنسان عليها؛ لعمارتها وجعله خليفة فى الأرض؛ فقال تعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّى أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [البقــرة:30] .وأوقع الله تعالىه أشد العقوبات على من يقتل مؤمنا متعمدًا، فقال تعالى: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } [النساء:93] .
وعليه فلا يجوز الاعتداء على حياة الناس إلا بسلطان الشريعة، ولا تُقتل إلا بالحق، فقال تعالى: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [الأنعام:151] .

إنه إسلام عظيم، ودين شامل يضع شرعًا؛ ليحمى به الناس، ويقر هذا الشرع عقوبات رادعة، لمن أراد أن يرتكب جرائم القتل، ليس هذا فحسب، وإنما وضع الإسلام عقوبات لمن يقتل نفسه، واعتبر جريمة الاعتداء على النفس كجريمة الاعتداء على شخص آخر بالقتل، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ( من تردى من جبل؛ فقتل نفسه فهو فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن احتسى سمًّا؛ فقتل نفسه فسُمُّه فى يديه؛ يحتسيه فى نار جهنم، خالدًا مخلدًا فيها أبدا ).

الإسلام دين الحكمة والموعظة الحسنة
إن الأساس القرآنى فى الحوار الإسلامي يقوم على الحكمة والموعظة الحسنة، والرد على إساءة الخصم بالتى هى أحسن وليس بمجرد الحسنى، وإذا كان ذلك فرضًا على النبى صاحب المقام الرفيع، فغيره من المسلمين أولى بأن يتحمل السيئة فى الجدال، وأن يرد عليها بالتى هى أحسن، وجاء التعبير عن ذلك الأمر فى قوله تعالى { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ «33» وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ «34» وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ «35» } [فصلــت].

الإسلام يريد العقل والقلب والعين
إن دعوة الإســلام للبشرية، دعـــوة تريــد عقلًا وقلبًا واعيًا وفكرًا عاملًا وعينًا متأملة، فالإسلام دين الفطرة، والذى ينظر بعين التفكر والتأمل إلى دفتى الشريعة الإسلامية، والمتمثلة فى القرآن الكريم والسنة المطهرة يجد يقينًا جازمًا بداخله، بأن الإسلام يبنى عقيدته بأساس التدبر والفهم وإعمال العقل والتفكر فى آلاء الله، فإنه يخاطب اللبَّ والعقل وذلك حتى يتخلل اليقين بداخل الإنسان، والذى هو: ثمرة التفكير الحق والتدبر الواعى، والفهم العميق والتأمل الجاد، فيقول الله تعالى { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبـــأ:46]
مفهوم الفكر السياسى فى الشريعة الإسلامية
- وهنا يأتى مفهوم الفكر السياسى فى الشريعة الإسلامية، فقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم “السياسة” بكلمة جامعة شاملة تعنى: تلك القواعد والقوانين التى تحكم كلَّ مجتمع مهما صغر، بحيث تنظم طرق المعيشة فيه .

وقد سبق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كل علماء السياسة بوضع الدوائر المتابعة للسلطات؛ والتى تبدأ من النواة الصغيرة للمجتمع وتتسع رويدًا رويدًا، لتشمل المجتمعات الأكبر حتى تصل إلى أوسع تلك الدوائر، وهى دائرة الدولة التى تشمل السلطة بين الحاكم والشعب فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول” كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته: الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ ومسئول فى أهله عن رعيته، والمرأة فى بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع فى مال سيده مسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته “.

وهكذا، فعلى كل مسلم أن يُؤمِنَ بدوره، مهما صغر هذا الدور، وعليه أن يتحمل مسئوليته كحاكم فى دائرة صغيرة، ومحكوم فى دائرة كبيرة، وبهذا يشارك فى رسم السياسة العامة للدولة؛ لأنه عندما يتحد هدف كل مجموعة صغيرة، مع الهدف العام للدولة، لأصبحت الأمة قوة سياسية كبرى، لها وزنها فى المجال الدولى، ويحسب لها ألف حساب .

دعائم الفكر السياسي الإسلامي
وهنالك دعائم أساسية للفكر السياسى الإسلامى تتمثل في:
حرية الرأى والتعبير، المساواة، العدل، الشورى، الجهاد دفاعًا عن الدين، ومبادئ الحق .

وهذه الدعائم أرساها الدستور الأساسى للمسلمين وهو القرآن الكريم، حتى تكون فرائض ثابتة تحكم أركان المجتمع الإسلامى، وتكون ملزمة لولى أمر المسلمين، وآيات القرآن الكريم حافلة وشاهدة بتلك الدعائم .

وهناك مفاهيم سياسية أرساها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو يبنى تلك الأمة الإسلامية على أسس متينة من دعائم الشريعة الإسلامية، وتلك المفاهيم بإيجاز شديد هى :
- الاستقامة على منهج الله ورسوله، الاجتهاد بما يوائم متطلبات الحياة المتجددة، الرحمة من الراعى على ما استودعه الله من رعيته، الموازنة فى الممارسة والتطبيق، التيسير على عباد الله، النهى عن الاختلاف والفرقة (الحرص على الوحدة السياسية للأمة).

الإسلام وتأمين المعيشة الاقتصادية للإنسان
- إن الله تعالى حين خلق الأرض، وبارك فيها، أودع فى بطنها من الثمرات ما يكفى؛ لسد حاجات عباده، وبث على ظهرها من الخيرات ما يحقق الرخاء لخلقه، ويكفل لهم الرزق والعيش الوفير، فقال تعالى: { وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ «20» } [الحجر]
وقال: : ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الْأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ «9» وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِى مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ «10» ) [فصلــت] .

ولقد ضمن الله الرزق لعباده، بل لجميع مخلوقاته بما خلقه فى هذا الكون من ثروات، ورزق وفير، وخير عميم، فقال تعالى:

( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ) [الإسراء:70].

 لقد ختم الله: هذه الآيات بتقرير هذه الحقيقة، وهى أنه سبحانه أتى عباده من كل ما سألوه، وأنهم لو ذهبوا يعدَّون نعمه عليهم لما تمكنوا من إحصائها، وهذا يعنى أن ما خلقه الله فى الكون من ثروات، وما بثه على ظهر الأرض من خيرات، وما أودعه فى بطنها من أرزاق يكفى لإشباع جميع الحاجات التى يكشف عنها تقدم الإنسان، فقوله تعالى ( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ) صالح فى كل زمان ومكان؛ حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فكانت حاجات العباد مكفولة، وموارد إشباع هذه الحاجات كثيرة، ونعم الله عليهم وفيرة .

الاقتصاد ليس معناه التوفير والادخار، وإنما هو التوسط والاعتدال .
والإطار العام للنظام الاقتصادى الإسلامى، يتركز على عدة عناصر رئيسة تتمثل فى :
-أن مصادر الثروة تعتبر أمانة منحها الله للإنسان، وجعله أمينًا عليها، مستخلفًا فيها، وعلى ذلك يحدد المسلم جهوده، ونشاطه الاقتصادى داخل نطاق هذه الأمانة والثقة، التى أولاها الله له .

-أن الثروة لابد أن تكون مكتسبة بالعمل والجهد، وبوسائل مشروعة ويجب حمايتها والمحافظة عليها، واستخدامها طبقًا لما أمرنا به الله ورسوله .

أنه يجب أن توزع الثروات توزيعًا عادلًا، فعندما تفى ثروة الفرد طاقة حاجاته الضرورية والمشروعة دون ( تقتير أو إسراف )، فإن عليه إنفاق الفائض؛ لسد حاجات المحتاجين .

- أن جميع الثروات التى يمتلكها الفرد بصورة خاصة، والأمة بصورة عامة يجب أن تُستثمر لأقصى حد ممكن، فلا يحق للدولة أو الجماعة أو الفرد اكتنازها أو تبديدها، فيما حرم الله ورسوله .

- أن التطور والتقدم من المتطلبات الضرورية، وأن المشاركة فى النشاط الاقتصادى أمر أوجبه الله تعالى على كل مسلم، فعليه أن يعمل بجد فى سبيل إنتاج وكسب ما يفيض عن احتياجاته الفردية؛ حتى يتسنى له إخراج الزكاة، ويساهم فى النهوض بمجتمعه.

- أن لكل فرد الحق فى أن ينال أجرًا عادلًا جزاءً لعمله، دون أى تمييز قائم على أساس “ العرق، أو الجنس، أو اللون، أو الدين “.
- أن الكسب الحلال، والإرث المشروع، هما أساس الدخل الذى يعترف به الإسلام، وإن تنمية الثروات، وكافة وسائل الإنتاج يجب أن تكون مطابقة لنصوص الشريعة الإسلامية “ فالربا، والمقامرة، واكتناز الأموال” دون استثمارها فى التنمية، وما شابه ذلك من الأمور التى يحرمها الإسلام كمصدر للدخل.

- إنما المؤمنون أخوة: فمبادئ المساواة والأخوة فى الإسلام توجب تطبيق حق المشاركة العادلة فى حالة اليسر أو العسر، فحق الزكاة والصدقات، والعفو والميراث هى من مبادئ التوزيع العادل للثروة فى المجتمع الإسلامى .

- إن التكافل الاجتماعى يعطى المحرومين، والمستضعفين، والعاجزين الحق فى ثروات المجتمع، الذى يعتبر مسئولًا مسئوليةً كاملة عن تزويدهم بالمسكن والملبس، والمأكل والتعليم، والرعاية الصحية؛ وذلك دون تمييز فى “ السن، أو الجنس، أو اللون، أو الدين “.

- يجب إقامة الثروة الاقتصادية للأمة الإسلامية على أسس من التعاون، والتكافل الصالح لأبنائها .
سخر الله عز وجل هذه البيئة، لتكون خادمة للإنسان حتى يستطيع إقامة تكليف العبودية لله تعالى
- ينظر الإسلام للبيئة من منطلق أنها ملكية عامة يجب على الإنسان المحافظة عليها، وعدم الإفساد فيها حتى يستمر وجوده عليها، فقال الله تعالى: ( وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) [الأعـراف:85].

نعم لقد سخر الله عز وجل هذه البيئة، لتكون خادمة للإنسان حتى يستطيع إقامة تكليف العبودية لله تعالى، فقد قال تعالى:( اللَّهُ الَّذِى سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِى الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «12» وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ «13» ) [الجاثيــة].

ولقد أوضح القرآن الكريم أن لكل كائن مما نعلمه فى هذا العالم له وظيفتان هما: الأولى: وظيفة اجتماعية، وتتمثل فى خدمة الإنسان .
الثانية: وظيفة دينية، وتتمثل فى كونها آية على وجود صانعه وحكمته وعلمه وإتقانه: فقال تعالى ( الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى «53» كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِى النُّهَى «54» ) [طــــه].
وختامًا، يمكن أن نعرض أهم النقاط التي عرضنا لها فى هذا الكتاب الثريّ:
حق الإنسان المعاصر هو ما اتفق على ثبوته للإنسان، وذلك من خلال المواثيق الدولية، ومن خلال الشريعة الإسلامية، فقد نادت اليهودية بالمحبة والحق؛ ولكن اليهود لم يتمسكوا بما جاءت به، وأضافوا عليها ما يفيد العنصرية، وجاء “الإنجيل” بالسلام والأمن للبشرية، وأيضًا أضاعها أتباعه تبعًا لأهوائهم، ثم جاء الإسلام كافلًا لحقوق الإنسان متميزًا بالنظرة الشاملة والجامعة التي تقوم على الرحمة والمساواة، ومراعاة حقوق الآخرين .

وقد كفل الإسلام للإنسان حقه في الحياة والعقيدة، وكرمه حيًّا وميتًا، ومنحه حرية العقيدة وحرية العبادة، وفقًا لمعتقده، كما شرع الله القتال للدفاع عن النفس، وصد المعتدين، وهو ما لم تسمو إليه النظرة الغربية بتشريعاتها.

كما جاء الإسلام ليقدم للبشرية مفهومه الجامع سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وصحيًّا وبيئيًّا، بعد أن تردت طويلًا في الصراعات والمفاهيم المادية، والعجز عن التصور الكامل، وكانت أبلغ قصورًا عن التوحيد، وإقامة العلاقة الحقيقية بين الإنسان والله : خالقًا ورازقًا (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فيقرر الإنسان بأنه مستخلف لله: في الأرض، عليه أن يقوم بمسئوليته في العمران، والسعي في الأرض على نفس المنهج الذي رسمه له خالقه .