التربية بتغيير العادات يحتاج عزيمة صادقة قويَّة

محاضرات
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

اخترت هذا الموضوع لأنى أستشعر أهميته الكبيرة وهذه الأهمية قلما يدركها الكثير من الناس، فالناس يعتقدون أن التربية هى مجرد التعليم فى المدرسة، أو مجرد الحث على فعل هذا الشيء، أو ترك ذاك الشيء، ولكن هناك أمور وطرق أخرى كثيرة تضاف إلى وسائل التربية، وهى من أهم وسائل وطرق التربية، وهى التربية بتغيير العادات السلبية، وتغيير والسلوكيات الخاطئة.

فالتربية هى البناء، والبناء لا بد أن يكون على أرضية ثابتة، على أرضية نظيفة، والتربية لا تؤتى ثمارها المرجوّة، إلا إذا كانت على أسس سليمة، فالبداية تكون بالتغيير الجذرى للعادات السيئة، وللأمور السلبية.

كان أساس النبى صلى الله عليه وسلم الذى انطلق منه فى دعوته العظيمة هو البدء بتغيير العادات عند الناس، فلا يجتمع فى قلب المؤمن العادات السلبية مع العادات الإيجابية، لا يستويان بأى حال من الأحوال.

العادة تعني: "تكْرير فعل الشَّيء الواحد مرارًا كثيرة، زمنًا طويلاً، في أوْقات متقاربة" ولهذا قيل: "العادة طبع ثانٍ"؛ وذلك لأنَّها تشبه الطَّبع الأوَّل - وهو الخُلُق الطَّبيعي - في شدَّة ثباتِها ورسوخها في النَّفس.

والإنسان عبارةٌ عن مجموعة من العادات، تكيِّف سلوكَه تجاه الحوادث والوقائع، وتساعده على مواجهة متطلَّبات الحياة، وسدِّ حاجاته، وتعزيز فطرتِه، وهو ما يدل على الدَّور المهمِّ الذي تلعبه العادة في حياة الإنسان، فحين ينشأ الإنسانُ على العادات الحسَنة يدل ذلك على تكيُّفه وصحَّته النفسيَّة، ويؤهِّله ذلك للحصول على مكانة اجتماعيَّة راقية في المجتمَع، تُشْعِره باحتِرام ذاته داخل الهيْئة الاجتماعيَّة الَّتي ينتسب إليْها؛ ومن هنا تَظْهر أهمِّيَّة تربية العادات الحسنة لدى النَّاشئة في مرحلَتَي الطُّفولة والصبا؛ ليكون ذلك عونًا لهم بعد ذلك في مسيرة حياتِهم.

لهذا نجِد الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يَحرص على استِخْدام أسلوب التَّربية عن طريق العادات الصَّالِحة منذ الصِّغر؛ حتَّى ينشأ النَّشْء عليْها، وتلازمهم عند شبابِهم وشيخوختِهم، وفي نفْس الأمر لا تكلِّف شيئًا إلاَّ التَّوجيه السليم؛ فمَن شبَّ على شيءٍ شاب عليْه، ويدلُّ على ذلك ما رواه عمر بن أبي سلمة - رضِي الله عنْهما - قال: كنت غلامًا في حِجْر رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وكانت يدِي تَطيش في الصَّحْفَة، فقال لي رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينِك، وكل ممَّا يليك)).

فالرسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - هنا قد عمَد إلى تغْيير العادة السَّيئة الَّتي اتَّبعها هذا الطِّفْل في الأكل، وأحلَّ محلَّها عادة إيجابيَّة، وهذا هو منهج الإسْلام في التَّربية بتغيير العادات، حيث يستبدل العاداتِ الحسنةَ بالسيِّئة.

ولهذا الاستِبدال طريقان:
أحدهما: طريق الحَسْم والإزالة، إذا كانت العادة تتَّصل بأصل التصوُّر والعقيدة والارتِباط المباشر، فإنَّ الإسلام يقطع هذه العادة قطعًا مباشرًا؛ لأنَّها كالورم الخبيث، لا بدَّ من أن يُجتثَّ ويُسْتأصل من جذوره؛ لأنَّه يتعارض مع الحياة النفسيَّة، ومثال ذلك: موقف الإسلام من عبادة الأوْثان، والكذب، والكِبْر....

ثانيًا: التدرُّج البطيء، وذلك في العادات الاجتماعيَّة الَّتي لا تقوم على مشاعِر الفرد وحدها، بل ترتبِط بأحوال اجتماعيَّة واقتصاديَّة متشابكة، ومثال ذلك: موقف الإسْلام من الخمر، والربا، والرق ....

كان أبو جهل إذا أراد ان يتصدق على أحد وقف على مكان مرتفع بحيث تكون رجلاه بمحاذاة رأس الفقير ثم يعطيه الصدقة، انظر إلى التكبر والتعالى، ثم انظر إلى الدين العظيم الذى غير كل تلك العادات الخاطئة والسلبية، كانوا يجعلون القيام على خدمة الحجيج أفضل من أى عمل آخر وتركوا الإيمان بالله وحده وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} حقّا لا يستوون، هذه العادات كانت كانت بمثابة عقيدة عندهم لا يستبدلونها بأى شيئ آخر مهما كان، ولذلك كان التغيير صعبًا بالنسبة للمسلمين حديثى العهد بالكفر، لذا فالتغيير هنا يجب أن يكون تدريجيًّا.

وتغْيير العادات السلبيَّة يحتاج من المرْء إلى عزيمة ماضية قويَّة، لا تسمح بأي استثناءات أو عوارض، تتخلَّل ما عزم عليه الإنسان من ترْك العادة السيئة، وإحلال العادة الحسنة محلَّها، فمثلاً إذا عزم المرء على ترْك عادة التَّدخين، فيجِب عليْه ألاَّ يسمح لنفسِه بتناوُل – ولو سيجارة واحدا - ، وكذلك إذا كان متواكِلاً أو متكاسِلاً، فلا يسمح لنفسِه بتأْجيل عملِه عن وقْتِه مهْما كانت الظُّروف؛ لأنَّه لو سمح لنفسِه بشيء من هذه الاستِثناءات، كان ذلك بمثابة الصَّدع في البنيان، فإنه لا يلبث بعده أن ينهدِم.
وحتى تتمَّ التربية بالعادة - أيضًا - فإنَّه لا بدَّ من تعاوُن جميع الأجهزة في ذلك، صغيرها وكبيرها: من الأسرة، والمؤسَّسات التعليميَّة، والثَّقافة الجماهيريَّة بأنواعها، وأنظِمة الحكم؛ وذلك بتهْيئة الظروف للعادات الحسنة لتحلَّ محلَّ العادات السيِّئة؛ لأنَّ كثيرًا من النَّاشئة والشباب يعترف بخطئِه، وبارتِكابه للعادات السيِّئة؛ إلاَّ أنَّ وجود المناخ السيِّئ وإتاحة الفرصة لها يجذبه نحوها، ويجعلها تُلازِمُه وتعترض تفكيرَه.

التربية بتغيير العادات من أجل أصول التربية، ولنا فى صحابة رسول الله الأسوة الحسنة، هؤلاء الذين رباهم سيدهم التربية المثلى، وخرجهم من هذه المدارس الإيمانية بقلوب بيضاء مشعة بالنور، يأتى شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشتهى الجهاد فى سبيل الله عز وجل، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: "هل أدركت أحد والديك حيًّا؟ فقال أمى، فقال له صلى الله عليه وسلم: ففيها فجاهد"
امرأة كانت كثيرة السب وكثيرة الشتائم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم لها الطعام، فقالت إنما آكل من طعامك يا رسول الله، فأكلت فتابت إلى الله تعالى.
كل عادة سلوكية تستطيع تغييرها ولكن بنظام معين، لا بد لكل إنسان أن يكون عنده عقيدة بأنه يسلك الطريق الصحيح للتغيير.

اخترت هذا الموضوع بالتحديد لأنى أستشعر أهمية التغيير بالنسبة لكل إنسان منا، هذه كلمات صادقة من قلب أرجو أن يكون صادقًا، جعلنا الله وإياكم من الصادقين.