اليأس رداء الضعفاء و السقوط غالبًا ما يكون بداية الصعود إذا نبتت فى القلب زهور المثابرة

محاضرات
طبوغرافي

 

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

أن اليأس رداء الضعفاء وأن السقوط غالبًا ما يكون بداية الصعود إذا نبتت فى القلب زهور المثابرة والإخلاص والنية الصادقة والاستعانة بالله.
ومن أكبر الخطأ أن تدع اليأس يتسلل لقلبك، ويخدعك الشيطان بأن الأمل بعيد وأن الطريق طويل، وأن الصعاب كالجبال، وأن ما ترجوه صعب المنال.

إذا رأيت ذلك من قلبك فاعلم أنك عبد لرب رحيم يملك الدنيا وما عليها، أمرك بالسعي، ونهاك عن اليأس، وأرشدك إلى القرآن لتؤنس به وحشتك، وتقوى به عزيمتك، وتنير به طريقك لتسير مع المتفائلين.

ذكر عن الكسائى إمام أهل الكوفة فى النحو أنه طلب النحو فلم يتمكن، وفى يوم من الأيام وجد نملة تحمل طعامًا لها وتصعد به إلى الجدار، وكلما صعدت سقطت، ولكنها ثابرت حتى تخلصت من هذه العقبة، وصعدت الجدار، فقال الكسائي: هذه النملة ثابرت حتى وصلت الغاية، فثابر حتى صار إمامًا فى النحو.

هل الإنسان أضعف من النملة؟، فلم تمنعها الحواجز عن السعى لطلب رزقها وبغيتها، والإنسان ربما سقط مرة أو مرتين فظل ينتحب، وهو متدثر برداء اليأس يبكى حظه العاثر، ولكنه لم يكلف قلبه أن يعلم أن مقاليد الأمور كلها بيد العزيز الرحيم الذى يعلم ما يصلح عباده.

إذا علمت أن الأمر بيد الله وأن مع العسر يسرًا فعلام تحزن، ومن أى شيء تتألم، وما يضيرك إذا كان ما تسعى إليه يرضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن تحاول مرات ومرات وتمسح عن وجهك وقلبك غبار اليأس، وسحائب الاستكانة.

القرآن يعلمنا أن المؤمن لا ييأس من فرج الله وألا يترك الحواجز تحول بينه وبين الأمل فى نور اليسر بعد العسر.
فقصة نبى الله يعقوب عند فقد ابنه يوسف عليهما الصلاة والسلام درس عظيم فى ترك اليأْس، وحسن الظن بالله، والصبر على البلاء، ورجاء الفرج من الله، فى عدة مواضع منها:

- عندما جاءه نعى أحب أولاده إليه يوسف عليه الصلاة والسلام - وهذا أعظم المصائب على قلب الأب-لم يفقد صوابه، وقابل قدر الله النازل، بالصبر والحلم، والاستعانة بالله سبحانه على رفعه. {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18].

- ولما عظمت المصيبة بفقد ابنه الثانى ازداد صبره، وعظم رجاؤه فى الفرج من الله سبحانه، فقال لأبنائه {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 83].
- وحين عوتب فى تذكر يوسف عليه الصلاة والسلام بعد طول الزمان، وانقطاع الأمل، وحصول اليأْس فى رجوعه، قال بلسان المؤمن الواثق فى وعد الله برفع البلاء عن الصابرين، وإجابة دعوة المضطرين: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [يوسف: 86].

- وأخذ بالأسباب فى السعى والبحث عن يوسف وأخيه فقال لأبنائه: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].

- فكانت العاقبة لمن صبر وأمل ورضى ولم يتسخط فرجع البصر، وبلغ الأمل، وزال الكرب، وحصل الثواب لمن رضى وأناب.

إذا اشتملتْ على اليأس القلوبُ وَضَاْقَ بِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيْبُ
وأوطنت المكارهُ واستقرت وَأَرْسَتْ فِى أَمَاكِنِهَا الخُطُوْبُ
ولم ترَ لانكشاف الضرِّ وجهاً ولا أغنى بحيلته الأريبُ
أتاكَ على قنوطٍ منك غوثُ يمنُّ به اللطيفُ المستجيبُ
وكلُّ الحادثاتِ اذا تناهتْ فَمَوْصُولٌ بِهَا فَرَجٌ قَرْيَب