الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
شعيب عليه السلام نموذج من المصلحين، لقد أراد أن يخرج قومه من ظلامهم إلى نور رب العالمين، وسلك شعيب -عليه الصلاة والسلام- مع قومه كل السبل بقلب مشفق عليهم ونُصح مترفق بهم، وذكَّرهم بالله ومعجزاته الصادقة، وبيّن لهم أنه واحد منهم، وذكَّرهم بنعم الله عليهم، وأنهم كانوا قليلين مستضعفين فى الأرض لا قوة لهم ولا قيمة ولا حول ولا طول، فكثرهم وآزرهم ونصرهم، ثم أمرهم بالاستغفار، بل بكثرة الاستغفار؛ لأن الاستغفار أمر عظيم، ودعاهم إلى التوبة إلى الله من الذنوب والمعاصي، وبيّن لهم أن الله تعالى رحيم ودود وسعت رحمته كل شيء، فلم تنفع فيهم الدعوة ولم تثمر فيهم الموعظة، ولم تُجْدِ فيهم النصيحة، قال تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا}[الأعراف:88]، فوقفوا فى وجه شعيب واستهزؤوا بقوله وسخروا منه ومن قوله، وتهكموا به، فلما وعظهم وأحسن موعظتهم وجادلهم فأحسن جدالهم، وأظهر لهم فساد اعتقادهم، وبيّن لهم عاقبة ظلمهم، وخوّفهم من بأس الله تعالى وعذابه، لجؤوا إلى المراوغة فى القول، قال تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود:91].
ولكن نماذج المصلحين تبذل أقصى جهدها لهداية الناس، ولتحبيب طاعة الله إليهم، ونزع الذنوب من قلوبهم .
إن شعيبًا -عليه السلام- لم يضعف أمام قومه، بل دافع عن الحق وكان واثقًا بمعية الله -عز وجل-، ورد عليهم قائلًا كما جاء فى قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} [هود:92]، ولم يقل عزمه، ولكنهم تمادوا فى الضلال من شعيب وأتباعه، وهددوه بالرجم والطرد، فقال الله تعالى عنهم: {وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء186 :187].
لقد كان شعيب عليه السلام حريصًا كل الحرص على إصلاح قومه، يخاف أن يتفلتون منه إلى نار جهنم، وهكذا المصلحون فى كل زمان وفى كل مكان إنهم يرون جنة الله ونور الله، فيريدون أن يدخلوا الغافلين فى جنة رب العالمين، فى جنة الطاعة، جنة الحب والقرب من الله.
لكن قوم شعيب لم يستجيبوا رغم أنه بذل أقصى جهد معهم.
فكان العاقبة أن حلّت بهم العقوبة، فابتلاهم الله بالحر الشديد، فكان لا يروى ظمأهم ماء، ولا تمنعهم ظلال، ولا تقيهم المنازل، ففروا هاربين من الحر، وخرجوا مسرعين، ولم يعلموا أنهم إنما فروا إلى هلاكهم، فقد تجلّت لهم سحابة فى السماء؛ فظنوا أنها واقية لهم من الشمس دافعة للحر، فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها ويستروحوا، ويستبشروا بغيثها الهنيء، حتى إذا تكامل عددهم، واجتمعوا كلهم، رمتهم بشرر، وأمطرتهم بعذاب، وجاءتهم صيحة من السماء، وأحسوا أن الأرض تتزلزل تحت أقدامهم، فاشتد خوفهم، وخارت أقدامهم، وجاءتهم الصيحة، فعلا صياحهم، {فَأَصْبَحُوا فِى دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}[هود:67]، وقال الله تعالى عنهم: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:92] .
فلما رأى شعيب ما حل بقومه أعرض عنهم، وأثقله الحزن على ما أصابهم، وتذكَّر كفرهم وعنادهم واستهزاءهم به وإساءتهم إليه، ثم تولى عنهم وقال كما قال الله تعالى عنهم: {وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} [الأعراف:93].
إن نماذج المصلحين هم أكثر الناس قربا من الله نسأل الله العلى العظيم أن يجعلنا من المصلحين الأوابين التائبين العابدين .
نماذج مصلحة وقدوة صالحة
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة