الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الأسلامى
جنة البيوت المسلمة تتلقاه بالشوق والعمل، وتزرع فيه الأعمال الصالحة لتحصدها نعيمًا فى الدنيا والآخرة.
لا وقت أغلى ولا أجمل ولا أثمر من رمضان للبيت المسلم، تشرق فيه شمس الطاعة وتنبت أزهار المحبة والأخلاق الكريمة وتذوب الخلافات وتجتمع الأسرة صغيرها وكبيرها فى جو من الطاعة ليلا ونهارا.فما أحرى أن يكون هذا الموسم الربانى مدرسة تقى الأسرة من أدران المعاصى وتعودها على طاعة الرحمن.
وفى حياة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين كثير من الصور المشرقة للتآزر والتآلف واغتنام الخيرات فى رمضان.إن الله تعالى قد هيأ فى رمضان لعباده أسباب الطاعة، وفتح لهم باب المنافسة فيها. روى الترمذى وغيره عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادى منادٍ: يا باغى الخير أقبل، ويا باغى الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة)).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشّر أصحابه بقدوم شهر رمضان المبارك فيقول: «يا أيها الناس، قد أظلّكم شهر مبارك، فيه ليلة خير من ألف شهر، فرض الله فيه صيامه، وجعل قيام ليله تطوعاً، فمن تطوّع فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فى ما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة، فهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطّر فيه صائماً كان له عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه». (أخرجه ابن خزيمة من حديث سلمان رضى الله تعالى عنه).
لقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ليهيئ نفوس أمته لاستقبال هذا الشهر المبارك، فيغتنموه، فشهر رمضان لا يتكرر فى العام إلا مرة واحدة، وما يدرى المرء أيعود لمثله أم لا.
إن لله فى رمضان هبات وعطيات ونفحات، لا يدرك أحد مدى ذلك، حجب الله علم ذلك عن كل أحد من خلقه، وقال «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لى وأنا أجزى به» (كما فى الصحيحين).
وقد بيّن فى حديث آخر أن «من أدرك رمضان فلم يغفر له، أبعده الله». (أخرجه ابن حبّان وأحمد)، وفى رواية «رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له».
وفى بستان هذا الفضل العظيم وخير الطاعة العميم فإن للبيت المسلم ميادين للثمار اليانعات من جنات الطاعة فى رمضان منها:
اجعل شهر رمضان زمنا للقائك بالقرآن بعد شوق، واجتمع أنت وأهل بيتك على كتاب الله:
قال ابن رجب: وفى حديث فاطمة رضى الله عنها عن أبيها صلى الله عليه وسلم أنه أخبرها: « أنّ جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرةً وأنّه عارضه فى عام وفاته مرتين » متفق عليه .وفى حديث ابن عباس «أنّ المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً» متفق عليه.
وكان الأسود بن يزيد يختم القرآن فى رمضان فى كل ليلتين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن فى غير رمضان فى كل ست ليالٍ.وكان مالك بن أنس إذا دخل رمضان يفرُّ من الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثورى إذا دخل رمضان ترك جميع العباد وأقبل على قراءة القرآن، وكان سعيد بن جبير يختم القرآن فى كل ليلتين، وكان زبيد اليامي: إذا حضر رمضان أحضر المصحف وجمع إليه أصحابه، و كان الوليد بن عبد الملك يختم فى كل ثلاثٍ، وختم فى رمضان سبع عشرة ختمه، وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعى يختم القرآن فى شهر رمضان ستين ختمة وفى كل شهر ثلاثين ختمة.
وكان وكيع بن الجراح يقرأ فى رمضان فى الليل ختمةً وثلثاً، ويصلى ثنتى عشرة من الضحى، ويصلى من الظهر إلى العصر .
وكان محمد بن إسماعيل البخارى يختم فى رمضان فى النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة .
هؤلاء هم الصالحون فى رمضان جعلوا القرآن رفيقهم فى رمضان فسر على دربهم لعلك تحظى بما نالوا.
ومن ميادين الطاعة فى رمضان القيام:
فقيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، وهو عبادة جليلة، وقربة عظيمة، ومنحه ربانية يهبها الله للصالحين من عباده، به تسمو النفوس وتزكو وقد أثنى الله على صحابه رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون* وبالأسحار يستغفرون}[الذاريات: 17، 18].وهو من أعظم القربات التى يتقرب بها الى الله تعالى فى شهر رمضان، وله فضائل كثيرة منها:
1-أنه شعار الصالحين: قال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة الى الله تعالى، ومنهاة عن الأثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد)) رواه أحمد صححه الألباني.2-أنه من أسباب دخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)) رواه الترمذى وصححه الألبانى .
3-إنه من أسباب النجاة من الفتن والسلامة من دخول النار، وعن أم سلمة رضى الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال: (سبحان الله؟ ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ ماذا فتح الليلة من الخزائن؟ من يوقظ صواحب الحجرات؟) رواه البخاري.
4-أنه أفضل الصلاة بعد الفريضة، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) رواه مسلم.
5-أنه سبب لاستجابة الدعاء: ونزول العطايا وقضاء الحوائج فقد قال صلى الله عليه وسلم ((ان فى الليل لساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة، الا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة)) [رواه مسلم].
الإنفاق: تصف السيدة عائشة النبى صلى الله عليه وسلم النبى بأنه كان جوادًا وأجود ما يكون فى رمضان كالريح المرسلة.
إن شهر رمضان موسم المتصدقين، وفرصة سانحة للباذلين والمعطين، وإن الصيام يدعوك إلى إطعام الجائع، وإعطاء المسكين، وإتحاف الفقير.
الله أعطـاك فابذل من عطيته فالمــــال عارية والعمر رحال
يقول ابن رجب فى لطائف المعارف: ((وفى تضاعف جوده - صلى الله عليه وسلم - فى رمضان بخصوصه فوائدُ كثيرةٌ منها:
- شرف الزمان ومضاعفةُ أجر العمل فيه؛ وفى الترمذى عن أنس مرفوعاً: ((أفضلُ الصدقةِ صدقةُ رمضانَ)).
- إعانةُ الصائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجبُ المعينُ لهم مثل أجورهم، كما أن من جَهَّز غازياً فقد غزا، ومن خلفَه فى أهله بخير فقد غزا.- أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما فى حديث عبد الله بن عمرو - رضى الله عنه - عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن فى الجنة غُرفاً يُرى ظهورُها من بطونها، وبطونُها من ظهورِه)) فقال أبو موسى الأشعري: لمن هى يا رسول الله؟ قال: ((لمن طَيَّبَ الكلامَ، وأطعمَ الطعامَ، وأدامَ الصيامَ، وصلَّى بالليلِ والناسُ نيام)).
فإياك أن تفوتك هذه الأربعة اجعل كلامك طيبًا فلا يخرج من فمك إلا عطر الكلام، وأطعم الأكباد الجائعة، وأدم الصيام مخلصًا لله رب العالمين، واجمع أهل بيتك وقم بين يدى الله فى ظلام الليل عابدًا خاشعًا راجيًا رحمته وغفرانه.
جنة البيوت المسلمة
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة