الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الأسلامى
نلتقى اليوم بالصفوة (مع أهل النور)، ويسبقنا الشوق إلى أهل النور، ويسبقنا الحنين إليهم أيضًا، وسنتحدث اليوم عن أهل النور، ونقول إن المؤمن عمله نور، وكلامه نور، وقلبه نور، وهو نور على نور، ومن يقيمون الليل هم أصحاب نور، ولهم نور خاص لأنهم فى لياليهم يستضيئون بنور العلم والعبادة، وعندما يصبحون فإن النور يتجلى على وجوههم بصورةٍ حسية، وهؤلاءهم أشراف أمة الحبيب.
فالمؤمن دائمًا له نور فى الدنيا، وله نور يوم القيامة فهو يعيش على نور، ويستضىء بنور الله تعالى فى محياه، فإذا ما مات انقلب وجهه كالقمر، فصار نورًا فى حياته، وصار نورًا عند مماته، وهذا هو النور الحسى، أما نور الأمة فهو انبعاث نورهم، وانبعاث هذا اليقين الموجود على صفحات الوجوه، وتلك عطايا من الله سبحانه وتعالى، أعطاها الله لبعض عباده، وهؤلاء هم أهل النور، الذين نرجو الله تعالى أن نكون منهم.
ونصحب اليوم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى معيته، فهو الذى جعله الله تعالى نورًا على نور، وكان كلامه نورًا، وأن النور كان ينبعث من وجهه صلى الله عليه وسلم، فقد كان النور الحسى إن انطفأت الغرفة كما تقول السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها ينبعث من وجه سيدنا صلى الله عليه وسلم، ويبقى نور وجهه صلى الله عليه وسلم يتألق به المكان.
وأما نور قلبه، ونور عمله، ونور سره بينه وبين الله تعالى فتلك مما لا نستطيع أن نحصيها لأن َفيها أسرار عجيبة قد نطوف حولها فى معية الحبيب صلى الله عليه وسلم، وليس عجبًا أن النور ينبعث من وجه سيدنا صلى الله عليه وسلم فيضىء المكان، فهو الذى يتنزل عليه جبريل بالنور والملائكة نور، والتى خلقها الله تعالى من نور، ويحمل سيدنا جبريل عليه السلام نور الوحى “القرآن”.
وهناك نوران، نور الوحى، ونور ما يتنزل به الوحى على قلب سيدنا صلى الله عليه وسلم، فينبعث النور من وجه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من تلك الملامسة الحسيه بينه وبين جبريل عليه السلام، وبين القرآن الذى هو نور .
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم { إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا }[المزمل: 5]، ولقد سماه الله قولًا ثقيلاً لما فيه من الأنوار المشرقة على وجه سيدنا صلى الله عليه وسلم، وليس عجبًا أن الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم يتناقلون فيما بينهم كيف أنهم شاهدوا نور سيدنا صلى الله عليه وسلم خاصة فى قيامه الليل، وخاصةً عندما يجلس بين أصحابه فينبعث النور من وجهه، وينبعث النور من ثنايا فمه، لأنه كان إذا تكلم خرج النور من فمه.
وهذا ما تواتر عند الصحابة الكرام، وعند رواة الحديث رضى الله تعالى عنهم أجمعين، وكل هؤلاء الذين عاشوا مثلما عاش النبى صلوات ربى وسلامه عليه على هذا النور. ومعنا الكثير والكثير من نماذج الصالحين وأهل النور.
النموذج الأول: عبد الله بن عباس رضى الله عنهما.
وقد كان الناس إذا جلس عبد الله بن عباس ليفسر القرآن الكريم، بجوار منبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، يرون النور ينبعث من وجهه فيضىء المكان كله.ولكن هل هو نور عبد الله بن عباس أم نور القرآن أم نور المكان ؟ فنقول إنها الثلاثة.
1- نور عبد الله بن عباس، الذى هو منبعث من إيمانه، ومن ثبات قلبه ومن جهاده.
2- نور القرآن لأن القرآن نور، ويتجلى هذا النور مع الصادقين مع الله { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِى أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: 157] وقد وصف الله تعالى القرآن بأنه نور.
3- والنور الذى فى المكان الذى يجلس فيه عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما.
وسيدنا عبد الله بن عباس أحد هؤلاء الذين أخذوا صفة جميلة وهى الملائكية؛ لأن الملائكة أيها الأخوة الكرام هم الخلق الذين جعلهم الله تعالى نورًا تتبدى به جميع الظلمات وتختفى أمامهم، وهكذا الصادقون أمثال عبد الله بن عباس رضى الله تعالى.
النموذج الثانى: الطفيل بن عمر الدوسى
والطفيل بن عمر الدوسى أتى مكة فى بداية بعث سيدنا صلى الله عليه وسلم، وحاول أن يُسلم، وأن يلتقى بسيدنا صلى الله عليه وسلم، لكن جحافل الجهل والكفر، قالوا له لا تسمع له، يقول: فوضعت فى أذنى الكرسف، وهو (القطن ). أى أنه وضع القطن فى أذنيه لكى لا يستمع إلى حديث سيدنا صلى الله عليه وسلم.قال: وكنت أتجنب أن أقابل هذا الرجل، ولا أستمع إليه، وذات مساء ذهبت إليه عند الكعبة، ونزعت الكرسف فاستمعت إليه يتكلم فما وجدت كلامًا أعذب مما تكلم رسول الله صلوات ربى وسلامه عليه .
ولقد كان الطفيل بن عمر شاعرًا، مرموقًا عند العرب، وكان يميز بين الكلام ومقاماته، وطبقاته.
وقال: وكنت شاعرًا معروفًا عند قومى ولما استمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدت أن كلامه ليس من كلام بشر، قال: فقدمت عليه فبايعته صلى الله عليه وسلم، فقلت له يا رسول الله أن دوس معروفة بالزنا والربا، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: اذهب إلى قومك، ودعى النبى لدوس بالهداية، وأتى بهم مسلمين، فقال يا رسول الله اجعل لى آية بينة؛ كى يستدل الناس على إيمانى، فدعى النبى ربه تعالى أن يجعل له آية فجعل الله تعالى له نورًا فى وجهه فلما أتى قومه دعى الله تعالى أن يجعل هذا النور فى عصاه فكان النور فى عصاه فظلت عصاته مضيئة، وقد أسلم على يد طفيل الدوسى ثلاثة قبائل.
الطفيل بن عمر الدوسى، ذاك الصحابى الذى امتلأ بالنور، حدثتكم عنه الآن مادام هو فى طريق النور
ومن أهل النور فلابد أن يختم له بالنور، لقد خرج فى موقعة اليمامة، وما أدراك ما اليمامة
وكان معه ابنه عمر عمر بن الطفيل بن عمر الدوسى، فشاهد فى الرؤيا رضى الله تعالى عنه قبل المعركة أنه سيموت شهيدًا، وأن ابنه سيجرح، وهذه هى الرؤى المزلزلة لأهل النور.وذهب يوم اليمامة كما شاهد فى الرؤيا، فمات شهيدًا لأول وهله، وجرح ابنه عمر كما شاهد
فى الرؤيا، ولكنه لم يمت، وظل ابنه عمر يعيش بجرحه حتى كان يوم اليرموك فاستشهد ابنه عمر يوم اليرموك. وهؤلاء هم الرجال الذين جادوا بأنفسهم فى سبيل الله تعالى، والرجال الذين صنعهم الإسلام.
المؤمن يستضىء بنور الله تعالى فى محياه ومماته
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة