الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الأسلامى
ويُقْصَدُ بالمهديين أسرع الناس استجابة لله تعالى، وهم من لم يكن لديهم فارق زمنى بين دعوة الحق، وبين ترددهم، فلم يترددوا أبدًا، وعندما بلغهم خبر الإسلام، وخبر سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى أذن لهم أن يعجلوا إلى أبواب الخيرات.
وسنرى نماذج متعددة لهؤلاء فمنهم النموذج الأول: سلمان الفارسى رضى الله تعالى عنه، وهذا الصحابى الجليل يعكس جانبًا من عظمة هذا الدين العظيم، ولقد ضرب مثلاً على سرعة الاستجابة لله تعالى، وسرعة الحب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أجملنا أن نكون على قلب سلمان الفارسى، لا نتردد عندما يأتينا بيان الحق، ولا نتردد عندما نعلم بكلمة الحق، ولا نتردد عندما يأتينا نداء الهداية، ولسان حالنا (سمعنا وأطعنا).
لقد طبق سلمان رضى الله عنه قاعدة {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [النور: 51]
وكان سلمان من أهل فارس، وممن يعبدون النار، وكان والده “دهقان”، والدهقان هو كبير البلد، وكان سلمان هو من يغذى النار لكى تستمر على جذوتها لكى يعبدها المجوس والفرس.. وغيرهم من عبدة النار من دون الله، ولقد كلفه والده ببعض الأعمال فى حديقته، ولكنه مر على كنيسة فوجد أناسا يعبدون ويخلصون فى عبادتهم، فدخل إليهم، وقال دلونى على من يدلنى إلى الله، فجلس معهم وقتًا من الزمن، واعتذر لأبيه، وترك بلده، وظل ينتقل من راهبٍ إلى راهب، حتى بلغ أحدهم فقال له وكان قد أوشك أن يموت دلنى على من آخذ منه، فدله على الثانى ولم يداه ثم قارب موته؛ فدله على الثالث حتى قال له الأخير ليس هناك أحد، ولكن جاء الوقت الذى يبعث فيه نبى من العرب.ثم تحولت حياته من الحرية إلى العبودية والرق، فُيأخذ رقيقًا ويباع عندما احتال عليه اليهود، وأخذوه، وباعوه، وظل ينتقل، وينتقل حتى بلغ المدينة، وكان الراهب قد وصف له المكان الذى يبعث فيه النبى، فلما وصل المدينة بين جبلين أسودين فإذا هى كما وصف الراهب، فقال هنا يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظل ينتظر حتى بلغه أن النبى صلى الله عليه وسلم قد دخل مكة، وكان الراهب قد أخبره أن هذا النبى لا يأكل الصدقة ويقبل الهدية فذهب إليه، وقال له لقد تصدقت بهذه، وكان طعامًا فقال الرسول الكريم لأصحابه كلوا، وامتنع هو عن الطعام.
وفى اليوم التالى أتى له سلمان رضى الله تعالى عنه بهدية فقال له هذه هدية لك يا رسول الله فأكل منها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وبقى أمر ثالث أن النبى يوجد به خاتم النبوة بين جانبيه، فانكب سلمان رضى الله تعالى عنه على جنبى الحبيب؛ فإذا بخاتم النبوة، فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.
ولقد شاهد سلمان معجزات حسية لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا زرع النبى له فسيلة النخل فإنها تكبر وتكبر أضعاف ما عند البشر، وما يزرعه النبى بيده لا يموت أبدا، ولقد شاهد سلمان من آيات الثبات وآيات القوة ما يؤكد له أن النبى صلى الله عليه وسلم، ليس كأى أحد، لأنه كان صادقًا فى الهداية بعد أن تبين له أن النبى هو نبى آخر الزمان.
لم يتعب أحد على وجه الأرض، كى يصل إلى الرسول الكريم قدر ما تعب سلمان الفارسى، فقد أفنى سنوات شبابه فى البحث عن رسول الله.
النموذج الثانى: سُهَيْل بن عمرو
رفض سُهَيْل فى وثيقة صلح الحديبية أن يكتب محمدًا رسول الله، وأصر أن يكتب محمدًا بن عبد الله، وقال له لو نعلم أنك رسول الله، لآمنا بك، ولا نعرف عنك شيئًا، فنزل القرآن الكريم { هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) }[ الفتح: 28]، فرفض سُهَيْل قبل إسلامه أن يشهد لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنتهى المفاوضات بالوثيقة التى وثقها سُهَيْل مع الإمام على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه، ولقد كان سيدنا عمر مغتاظًا من سُهَيْل بن عمر ويريد أن ينقض عليه لأنه كان يشتد ويحتد على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والنبى صامت يبتسم، ولما فُتحت مكة فى العام الثامن دخل سُهَيْل بيته، وقال إن أدركنى محمدٌ فإنه قاتلنى لا محالة، ولكن النبى كان كريمًا عفوًا، وكان أولاد سُهَيْل قد دخلوا فى الإسلام، مثل ( أبى جندل، عبد الله )، وسبقوه إلى الإسلام.فأرسل عبد الله بن سُهَيْل بن عمر أن يؤمنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ الأمان من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وعندما بلغ سُهَيْل أن النبى عفا عنه أتى سُهَيْل، وكان الصحابة أذكياء معه، وفعلوا ما طلب منهم الرسول الكريم، فلم ينظروا إليه، ولم يعاتبونه بكلمة. فآمن وبايع الرسول الكريم وشتان بين سُهَيْل بن عمر الذى لطم وجه ابنه أبى جندل عندما دخل فى الإسلام، وشتان بينه الآن، وبين قلبه الذى أصبح رقيقا، وعينيه الباكيتين.
ولكن، ماذا يفعل هذا الدين فى عظماء الرجال؟
كان سُهَيْل من المهديين لسرعة استجابته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولسرعة رجوعه إلى الحق، وعندما دخل فى الإسلام، دخل بحب، وعندما أعطى فى الإسلام، أعطى بحب، وخاض المعارك، وخاض الفتوحات الإسلامية.وظل سُهَيْل بجوار النبى الكريم صلى الله عليه وسلم من العام الثامن إلى العاشر بعد الهجرة، وحينما انتقل الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى قام سيدنا عمر وقال من قال ( إن محمدًا قد مات ) لأضربن عنقه؛ فتعجب الصحابة من كلام سيدنا عمر ( لأضربن عنقه ) وفى هذه الأجواء لم يصدق الفاروق أن النبى مات، وفى هذا الموقف ظهر سُهَيْل بن عمر رضى الله تعالى عنه، فقام وكان خطيبًا لبقًا مفوهًا، وقال له يا عمر ألم تقرأ قوله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِين}[آل عمران: 144]. فلما سمع سيدنا عمر الآية هبط إلى الأرض، وقال وكأنى أسمعها لأول مرة.
أسرع الناس استجابة لدعوة الحق.. الذين يسارعون إلى أبواب الخيرات
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة