الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الأسلامى
وهى من حكم الإمام بديع الزمان سعيد النورسى.
الشكوى تعبر عن اعتراض على المقدور، وعدم الرضا بما قسم الله تعالى خاصة عندما تشكو الله إلى عباده، وهم ليسوا أرحم منه تعالى فهو الرحمن الرحيم.ويرى الإمام بديع الزمان سعيد النورسى، أن الدنيا كلها لم يخلقها الله تعالى للتسلية أو اللهو، أو و الفراغ، واللا مسئولية، والعبث، وإنما خلق الله الإنسان كى يعده لمراحل تالية بعد هذا؛ فمثلا لماذا يمرض الإنسان؟ هل لابد للجسم أن يسقم، والجواب نعم يجب للجسم يسقم حتى يستقيم، وحتى يعلم المريض أنه مخلوق بيد الله تعالى وشفاؤه بيده، ولهذا فعندما يرى الإنسان مريضًا يتذكر دنو الأجل، يتذكر القبر والآخرة، وعندما يشفى الله تعالى المريض نعلم فضل الله تعالى علينا.
قد يعيش الإنسان فوق المائة عام بصحةٍ جيدة، ولا يُبْتلى البلاء الشديد، وقد يعيش غيره عشرين عاما ويبتلى أشد الابتلاء مثل السرطان.. وغيرها من الأمراض.
وأكثر ما يعجبنى فى فكر الشيخ الإمام أنه يحب الأسماء الحسنى التى نحب دائما أن نتكلم عنها ونشرحها ونوليها التفسير، ولنا فيها مؤلفات كثيرة بفضل الله تعالى، ويركز الإمام النورسى فى كتابه اللمعات على سر الأسماء الحسنى فى كل ما يجرى فى حياة البشر؛ الفقير الذى أغناه الله بسر الأسماء الحسنى، البعيد الذى قربه الله بسر الأسماء الحسنى، الغنى الذى أعطاه الله بسر الأسماء الحسنى، المريض الذى عافاه الله بسر الأسماء الحسنى، وهذا الجزء الذى معنا فى كتابنا اللمعات ويأخذنا إلى جانب مهم، وهو حب البلاء، وأصدق مثال لهذا الصحابى الجليل عمران بن حصين الذى ظل ثلاثين سنة يشتد المرض عليه، وهو راقد على سريره وبقى على هذه الحالة، ولم يشتك. والمرأة الأنصارية التى اشتكت صرعها خوفًا من تكشفها فهى لم تكن شاكية أبدًا، بل حيية عفيفة تخشى التكشف، وعندما خيرها النبى صلى الله عليه وسلم الدعاء لها البقاء على حالها ولها الجنة، بقيت على حالها تصبر فاختارت الصبر ،لوم تشكُ حالها إلا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا أبو أمامة الذى كان عنده دين شديد، ولم يشتك، وإنما ذهب إلى المسجد وجلس فيه فى خارج أوقات الصلاة فرآه النبى صلى الله عليه وسلم متغير الوجه فدله على دعاء يقوله يذهب بهذا كله. وهذا ما ورد فى الحديث ( دخل رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال يا أبًا أمامة ما لى أراك جالسا فى المسجد فى غير وقت الصلاة قال هموم لزمتنى وديون يا رسول اللهِ قال أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك قال قلت بلى يا رسول اللهِ قال قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال قال ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همى وقضى عنى ديني).
ويرى ابن القيم أستاذنا الكبير أن هناك فرقًا بين بيان الحال والشكوى، فبيان الحال يتجلى فى قول سيدنا موسى عليه السلام:{ فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [القصص: 24]
فهذا يسمى بيان حال، وسيدنا موسى يقول يا رب أنا فقير إلى الخير منك، يارب أنا فقير إلى عفوك، وإلى رزق واسع منك وإلى رحمتك، وهذا ما يسمى ببيان حالة وليس شكوى .فالشكوى تكون من الفقر أو المرض أو الفاقة بأسلوب تضجر وضيق { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }[الأنبياء: 83]. وانظر إلى حيائه من ربه يقول: مسنى، مع أنه مريض أشد المرض؟!. وقد انهار بدنه تمامًا، وظل ملازم الأرض لا يتحرك أكثر من ثمانى سنوات، وبرغم هذا بأسلوبٍ لطيف يقول {مسنى الضر}
الإيمان الحق فى قلة الشكوى، إن الله جل جلاله يبتلى عبده المؤمن لأنه يحب أن يستمع إليه وهو يشكره، يشكره على البلاء كما يشكره على السراء، و المرض كما يرى الشيخ بديع الزمان سعيد النورسى به آلاف الرحمات .
الشكوى إعتراض على المقدور، وعدم الرضا بما قسم الله تعالى
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة