الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
إذا فقد الإنسان يقينه بالله، واستسلم لوساوس الشيطان، فقد لذة العيش، والشعور بالرضا والراحة، فيبقى على قلقٍ دائمٍ من المستقبل، يخاف من الغيب، لا يثق بتدابير الله لأموره وحياته، يبقى على شك في قدرة الله له بإخراجه من ضيقه، يبقى مترددًا بالثقة بالله، يقينه ضعيف بجبروت الله، ظانًّا بأن العبد سيفيده وسيرزقه وسيساعده في ضيقه، ناسيًا بأن العباد هؤلاء خلقهم الله عزّ وجلّ، ومصيره ومصيرهم معلقٌ بيدي الله تعالى، فلا يملك لنفسه النفع والضر إلا إن أراد الله وشاء بذلك، فيبقى الشخص ضعيف اليقين في خوفٍ وقلقٍ دائمين ينتظر أفعال الله له بخوفٍ وترقب بأن ينجيه أو لا، فيتعب في دنياه ويخسر الله تعالى بخوفه من أفعال القوي الجبار سبحانه وتعالى.
وشعور اليقين شعورُ الراحة المطلقة للمرء، فهو يطمئنّ لسير حياته، لا يقلق من غده ولا من مستقبله ولا من الغيب، فيشعر بأن الله بجانبه يرعاه برعايته عز وجل، يدبر له الأمر ييسر له الرزق، يدفع عنه المكروه يرزقه الخير، فإن أصابه فرحٌ حمد الله، وإن أصابه مكروهٌ حمد الله أكثر ؛ لأن البلاء من الله اختبارٌ للصبر، ودفعٌ للذنوب، ورفعٌ للدرجات وصبر على ما أصابه، فيعيش حياةً هانئة بوجود الله في حياته. قال الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
العلم النافع يقربك من الله تعالى، قال تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، فالذين تعلموا العلم وعلموه للناس هم أهل الخشية، وأنتم أيها الأحباب فى هذه المحاضرات القيمة تتعلمون العلم ليقيكم من الظلام والجهل، ولتستعينوا به على الشيطان الرجيم، ولتأخذوا به بأيدى الناس إلى الرشد والاستقامة والارتياح النفسى.
اليقين من أهم وأفضل أساليب علاج الوسواس القهرى أيها الأحباب الكرام، لا بد أن يكون عندك يقين بالله تعالى بأنه هو وحده الشافى المعافى، كن على يقين بأن القرآن شفاء لما فى الصدور، وأن قراءته تريح النفس وتبعث فيها الاستقرار والاطمئنان، وقراءته تقتل الاكتئاب والوسوسة.
كن على يقين بأن السنة النبوية وحدها علاج شامل لكل أمراض الإنسان النفسية، وأن الأذكار والمحصنات التى وردت عن نبينا صلى الله عليه وسلم تحفظ الإنسان من كل الشرور وتقيه كل الكربات والأزمات.
كن على يقين بأن الصلاة على وقتها، والحفاظ على أداها فى الجماعة تحفظ المسلم، وتقربه من الله تعالى، وتكفر ذنوبه، وتضمن له الجنة.
كن على يقين بأن الحفاظ على الوضوء طهارة للبدن وطهارة للقلب أيضًا، وهى من علامات قوة الإيمان والتقوى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا يحافظ على وضوءه إلا تقى" وأنه يغسل القلب من الأوزار والآثام، ويطهره من الضغائن والأحقاد.
كن على يقين بأن دين الإسلام لم يأت إلا بالخير وبالشفاء لما فى الصدور والأجساد، قا الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}
كن على يقين تام بأن الله تعالى هو وحده الذى يعافى المريض، وهو وحده الذى يكشف البلوى، وهو وحده الذى يذهب الهم والحزن، وهو وحده الذى يكشف الكرب، وكن على يقين بأنك متى استعنت بغيره تعالى فإنك من الخاسرين فى الدنيا والآخرة.اليقين من أسباب النجاة:
فاليقين من أسباب نجاة هذه الأمة المباركة فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد، ويهلك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل» لذلك خاف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته من ضعف اليقين فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما أخاف على أمتي إلا ضعف اليقين».اليقين من أسباب إجابة الدعاء:
أيها الأحباب.. اليقين إذا استقر في القلب كان من أسباب الإجابة عند الدعاء، فاليقين من شروط إجابة الدعاء فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل» ولهذا ينبغي للمسلم أن يبذل جهده في القيام بما يجب عليه، مع اليقين بأن الله يستجيب له، ويقبل منه العمل، ويغفر له عند الاستغفار، لأن المولى -جل وعلا- لا يخلف الميعاد سبحانه وتعالى.حسن الظنّ بالله تعالى:
الإنسان عندما ينفد رصيده الإيمانى يتخبط فى سوء الظن بالله تعالى، وكما قال الحسن البصري عن بعض الناس يقعد عن الطاعات ويقول أنا أُحسن الظن بالله، قال: (كذبوا والله، لو أحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل) فالذي يحسن الظن بالله هو الذي يفعل الأسباب ثم يتوكل على الوهاب، والذي يرفع أكفّ الضراعة ثم ينتظر ويوقن بالإجابة من الله تبارك وتعالى، وعجبًا لأمر المؤمن –والمؤمنة– إن أمره له كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم– إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له أو أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له.لا بد أيها الأحباب أن نوقن أن الخير يأتي أحيانًا في صورة بلاء، فكم من محنة كانت في باطنها منحة وهدية وعطية من الله العظيم تبارك وتعالى، كذلك ينبغي أن نعلن رضانا بقضاء الله تعالى وقدره، والمؤمن يوقن أنه عبد لله، وأن فلاحه في أن يكون في طاعة ربه ومولاه، ويوقن أن هذا الكون ملك لله، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، فسبحان مَن لا يُسئل عما يفعل وهم يُسئلون.
علاج الوسواس القهرى بتثبيت اليقين بالله تعالى:
كلما كان يقين الإنسان بالله تعالى أقوى كان أقدر على اجتياز مشاكله، وكلما كان أقوى للتغلب على آلامه النفسية والحياتية، فاليقين كما أخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم هو خير ما يُعطاه العبد المسلم، فعن أوسط البجلي قال: سمعت أبا بكر- رضي الله عنه- يخطب فذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فبكى ثم قال: يعني النبي- صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وهما في الجنة، و إياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور وهما في النار، وسلوا الله اليقين، والمعافاة فإن الناس لم يعطوا شيئا أفضل من المعافاة، أو قال: العافية، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تقاطعوا، ولا تدابروا كونوا عباد الله إخوانا».وفي رواية: «يا أيها الناس إن الناس لم يعطوا في الدنيا خيراً من اليقين والمعافاة فسلوهما الله -عز وجل-».
فاليقين خير ما يعطاه المرء في الدنيا لأن فيه وقاية من مصائب الدنيا والآخرة، يقول الإمام الحسن البصري- رحمه الله-: "صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باليقين طُلبت الجنة، وباليقين هُرب من النار، وباليقين أوتِيَت الفرائض، وباليقين صُبِر على الحقّ، وفي معافاة الله خير كثير والله قد رأيناهم يتقاربون في العافية فلما نزل البلاء تفارقوا".كيف تقوى يقينك من أجل التغلب على الوساوس؟
أيها الأحباب.. اليقين يزيد بكثرة التأمل في كتاب الله وتدبر معانيه، وتدبر الآيات الكونية، وتدبر معاني صفات الله تعالى.ومما يزيده كذلك كثرة سؤال الله تعالى الإيمان واليقين والهدى، ففي الحديث: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا".
ومما يزيده كذلك العمل بما تعلم العبد من الدين، وتعبده لله تعالى، وذكره إياه في كل حال.
ومما يزيده كذلك كثرة النظر في نصوص الوحي التي يكثر فيها الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، ولا يلزم من زيادة اليقين أن توجد كرامات ولا أن تترك الأسباب، فكثير من الصحابة لم تكن لهم كرامات، وكان الأنبياء والصحب يتكسبون؛ كما في حديث البخاري: "وأن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده". وقد تاجر الصحابة وزرعوا وامتهنوا المهن، وكذلك خيار السلف بعدهم.
ومن وسائل تقوية اليقين مجالسة العلماء والصالحين وحضور مجالس الذكر ودروس العلم؛ فإن ذلك مما يقوي اليقين ويرسخه في النفوس، ويصرف عنها أسباب الشبهات والخواطر الرديئة.
لا تطع للشيطان أمرًا، ولا تبالِ بما يلقيه فى قلبك وأذنيك من وساوس، واستعن بالله تعالى عليه، واستعن بالقرآن الكريم، واستعن بالأذكار ودوام الوضوء.
تثبيت اليقين وتعديل السلوك لمواجهة الوساوس وأمراض العصر
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة