علاج الاكتئاب وانقباض الصدر والتوترات.. وفق المنهج الإيمانى

محاضرات
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

التعرف على مداخل الشرّ وأسبابه هذا فى حد ذاته من أعظم وأجل المداخل الإيمانية لحل المشكلات، ومعرفة طريق الحق والخير، فعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال: كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَضَلالَةٍ وَشَرٍّ، فَقَالَ: ((نَعَمْ )) . وَإِنَّ اللَّهَ جَاءَ بِالإِسْلامِ وَبِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ فَقَالَ: ((نَعَمْ، وَلَكِنْ فِيهِ دُخَانٌ)) . فَقَالَ: وَمَا دُخَانُهُ؟ فَقَالَ: (( قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِ، يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَتَعْرِفُ وَتُنْكِرُ)) . فَقَالَ: فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: (( نَعَمْ ، قَوْمٌ يَقُومُونَ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ يَلْبَسُونَ جِلْدَتَنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِكَلامِنَا)) . فَقَالَ حُذَيْفَةُ: كَيْفَ لِي أَنْ أَعْرِفَهُمْ؟ فَقَالَ: ((عَلَيْكَ بِالأَئِمَّةِ وَالْجَمَاعَةِ )). قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَئِمَّةٌ وَلا جَمَاعَةٌ، فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: ((عَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجْرَةٍ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرُ اللَّهِ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ)).

شرح الصدر:
قال تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ}. [الزمر:22]. وقال تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}. [الأنعام:125].
وقد روى الترمذي في "جامعه" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح. قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله))، فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور، وكذلك النور الحسي والظلمة الحسية، هذه تشرح الصدر، وهذه تضيقه.
من أسباب انشراح الصدر:
ــ العلم: فإنه يشرح الصدر ويوسعه، والجهل يورثه الضيق، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن النبي – صلى الله عليه وسلم - وهو العلم النافع، فأهله أشرح الناس صدورًا، وأوسعهم قلوبًا، وأحسنهم أخلاقا، وأطيبهم عيشًا، فالعلم نور، والجهل ظلام.
ــ الإنابة إلى الله - سبحانه وتعالى- ومحبته بكل القلب والإقبال عليه والتنعم بعبادته: فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك، حتى إنه ليقول: أحيانًا إن كنت في الجنة مثل هذه الحياة، إني إذًا لفي عيش طيب من التلذذ بالعبادة، وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر وطيب النفس ونعيم القلب لا يعرفه إلا من له حس به، وكل ما كانت المحبة أقوى وأشد كان الصدر أفسح وأشرح، ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين ويفرح برؤية الصالحين.
علاج الاكتئاب:
ــ عدم الاهتمام المبالغ فيه بالمشكلات والأمور الحياتية، والاستعانة بالآخرين من ذوى العلم والخبرات.
ــ التزام الصحبة الصالحة، فإنها تقرب العبد من الله تعالى، وتهوّن عليه الضغوط النفسية، وتساعده فى حل مشاكله. قال تعالى: { الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ } [الزخرف:67] وقال عزّ وجلّ: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا. يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنا خَلِيلا. لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي } فالصديق هو الذى يترك الأثر البارز فى نفس صديقه سواء بالخير أو الشرّ.
ــ التزام الطاعات، والبعد عن المعاصى، وقراءة القرآن الكريم والأذكار.
ــ كثرة الوضوء مع الحفاظ عليه طيلة اليوم ما أمكن هذا، فإن الوضوء ينير الوجه ويترك راحة فى البدن.
أيها الأحباب.. عندما أراد موسى عليه السلام أن يتخلص من الاكتئاب والقلق قال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِى}
فالبداية فى علاج القلق والاكتئاب شرح الصدر، فالله إذا شرح صدرك يسّر أمرك، وحل لك جميع عقدك، وإذا شرح لك صدرك، أعطاك قدرة للتغلب على الوسواس، وإذا شرح صدرك نصرك على الشيطان، وإذا شرح صدرك جعلك تتغاضى عن التفاهات التى التى تعطل مسير حياتك، أما إذا لم يشرح صدرك، ضاقت الدنيا أمام عينيك وتغلب عليك القلق والاكتئاب.
الاستعانة:
أولا الاستعانة بالله:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى.. فأولُ ما يجني عليه اجتهادُهُ
لا بد من الاستعانة بالله تعالى فى جميع الأمور، فعلى المسلم الاستعانة بالله تعالى وحده، والتبرؤ من الحول والقوة، وتفويض الأمر إلى الله عز و جل، و هذا المعني في غير آية من القرآن كما قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} وقوله تعالى: {هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} وقوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً}ْ.
فالعباد كلهم مجبولون على الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه في شؤونهم، ولكن حسن الاستعانة والتوكل يختلفان من قلب إلى قلب، ومن شخص إلى شخص، فبقدر قوة الإيمان واليقين عند العبد بقدر ما يقوي عامل الاستعانة بالله، وحسن الظن به، وتسليم الأمر له، لعلم القلب بحاجته إلى فضل الله تعالى وتيسير أمره.
الاستعانة بأهل العلم وأصحاب الخبرات، (المؤازرة).
لقد طلب نبينا صلى الله عليه وسلم الرفقة الصالحة ونحن نعلم أن النبى المعصوم صلى الله عليه وسلم لو دعا الله تعالى لكف أذى المشركين عنه دون أن يأخذ رفيقا أو صديقا، ولكنه صلى الله عليه وسلم يعلمنا مبدأ التآزر والتآخى والتناصح فى الله تعالى.
وطلب موسى عليه السلام من الله تعالى أن يجعل له وزيرا يؤازره ويسانده فى دعوته، فنحن أيها الأحباب أحوج إلى الاستعانة بأهل الخبرات والعلم.
ومن أعظم القصص فى المؤازرة قصة محمد الفاتح الذى فتح القسطنطينية، فالذى ترك الأثر الأعظم فى حياة محمد الفاتح هو تشجيع أهله وذويه له، فكانوا يقولون له أنت محمد الفاتح، أنت الفارس البطل، وظلوا يؤازرونه المؤازرة المعنوية والنفسية حتى صار ملكا للدولة العثمانية وفتح القسطنطينية وهو لم يكمل عشرين سنة، لا تتعجّب أخى الحبيب إنها المؤازرة والمساعدة والمساندة، إنه مبدأنا الذى جعلناه من أهم سبل التخلص من الهموم والمشاكل وهو مبدأ "هارون أخى" فعليك أخى الحبيب بأن تتخذ لنفسك "هارون أخى" لم ينهض بمحمد الفاتح سوى مؤازرة الناس له.
لا تتكبر على أخذ النصيحة وإن كان الذى ينصحك أصغر منك سنا وأقل منك مالا وجاه، فالنبى صلى الله عليه وسلم كان يستشير أصحابه فى كل شيء، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتعلم ممن هم أقل منه علما وقدرا، وكثيرا ما قرأنا قصصا له رضي الله عنه ورأيناه يطلب الدعاء من أشخاص هو أفضل منهم بكثير.
إن أصحاب الهمم العالية، والعزيمة القوية لا يتكبرون على أخذ النصائح من أيّ أحد، فالذى يتكبر على الناس لا يتقدم ولا يجد حلا لمشاكله، لأنه انعزل عن الناس بظنه أنه أفضل منهم وأكثر علما.
الإعداد النفسى:
كان النبيّ صلى الله عليه أفضل من أعد أصحابه إعدادا نفسيا، وهيأهم تهيئة إيمانية عالية، وعلمهم كيف يواجهون الصعاب بالاستعدادا النفسى المطلوب.
لقد استعصت خيبر على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكانت عبارة عن حصون داخل حصون، وهذا حال اليهود المعروف، قال الله تعالى عنهم: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه: لأعطينّ الراية غدا لرجل يحبّ الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، هذه الجملة جعلت المسلمين فى تلك الليلة لا ينامون، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أوجد عند كل واحد من أصحابه حالة من الاستعداد النفسيّ أن يكون هو الذى يحبه الله ورسوله، وفى الصباح نادى النبيّ صلى الله عليه وسلم على عليّ رضي الله عنه وكان فى عينه رمد فتفل فيها صلى الله عليه وسلم فبرأت وعادت أفضل من السابق.
الوسوسة وانقباض الصدر من عند نفس الإنسان:
قال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}. إذًا فالإنسان هو الذى يفتح على نفسه باب الشيطان، وهو الذى يفرض على نفسه الوساوس، لأنه لم يعمل بقول الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}. إذا تسبيح الله وحمده هو السبيل للتخلص من الوساوس، فإذا سبحت الله تعالى وحمدته، فإنه كفيل بأن يشفيك وأن يقيك من الشيطان، لأنه قال: { وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}.
علاج الإحباطات:
ــ بالصبر، قال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} وقال عز وجل: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، فالصب هو أهم مفاتيح الفرج وأولها، فبه يقوى إيمان المرء، وبه يفوز العبد فى الدنيا والآخرة، وبه ينل الإنسان مبتغاه.
ــ كثرة الطاعات، والتقرب إلى الله تعالى بالنوافل، وملء أوقات الفراغ بالأعمال الصالحة.
ــ تغيير أنماط الحياة، فى العمل والمعيشة وكيفية قضاء وقت الفراغ، لأن التغيير يقضى على الملل والإحباط.
ــ صلة الأرحام وعيادة المرضى، ومساعدة ذوى الحاجات، لأن كل هذه الأعمال تدخل السرور على نفس الشخص.