أن ترافق مسكينًا لا يأبه الناس إليه طاعة الله وتواضعًا لنعمته، وعظمته خير لك من أن ترافق أصحاب الجاه لجاههم وأصحاب الأموال لأموالهم.
فالله خير وأبقى وَرُبَّ مسكينٍ خيرٌ عند الله من كثير من الوجهاء والمقصودين.
الوصية بالمساكين وصية نبوية وطاعة ربانية وسعادة في الدنيا والآخرة لمن فعلها ابتغاء مرضاة الله لا رياء ولا سمعةعَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: ((أَمَرَنِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي، وَلاَ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِى، وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَمَرَنِي أَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وَأَمَرَنِي أَنْ لاَ أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ)) (وفي رواية: فإنها كنز من كنوز الجنة) [رواه الإمام أحمد].
بهذا القدر وهذه المكانة العظيمة حظي المساكين على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وفي منهجه العملي ، هذه الالتفاتة النبوية الكريمة، وهذه العناية الربانية الجسيمة حتى وصى بهم ربنا - تبارك وتعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم حين قال له: ((إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردتَ بعبادك فتنة، فاقبضني إليك غير مفتون)) [صحيح سنن الترمذي].
لقد مرضت امرأة مسكينة ((فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها، وكان صلى الله عليه وسلم يعود المساكين، ويسأل عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ماتت فآذنوني)). فأُخرج بجنازتها ليلا، وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُخبر بالذي كان منها، فقال: ((ألم آمركم أن تؤذِنوني بها؟))، قالوا: يا رسول الله، كرهنا أن نوقظك ليلا. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها، وكبر أربع تكبيرات)) [صحيح سنن النسائي].
وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه فلم يفطر في تلك الليلة.
ومن عجيب ما نقله ابن كثير في ((البداية والنهاية)) عن عبد الله بن المبارك، وشديد اعتنائه بالمحتاجين قوله: ((خرج مرة إلى الحج، فاجتاز ببعض البلاد، فمات طائر معهم، فأمر بإلقائه على مزبلة هناك، وسار أصحابه أمامه، وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة، إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها، فأخذت ذلك الطائر الميت، ثم لفته، ثم أسرعت به إلى الدار، فجاء فسألها عن أمرها وأخذها الميتة، فقالت: أنا وأخي هنا ليس لنا شيء إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يلقى على هذه المزبلة، وقد حلت لنا الميتة منذ أيام، وكان أبونا له مال، فظلم، وأخذ ماله، وقتل. فأمر ابن المبارك برد الأحمال، وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ قال: ألف دينار، فقال: عُدَّ منها عشرين دينارا تكفينا إلى مرو، وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع))حب المساكين هو طريقك للفوز برضا وحب رب العالمين ورفقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وكان هذا هو دأب الصالحين على مر العصور فاحرص على أن تغترف من بحر هذا الأجر، وأن تكون للمساكين ناصرًا ومعضدًا ورفيقًا نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا حب المساكين وأن يجعل ذلك خالصًا لوجهه وابتغاء مرضاته إنه نعم المولى ونعم النصير.
الصالحون ورفقة المساكين
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة