الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
خص الله شهر رمضان عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل منها:
*خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
*تستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا.
*يزين الله في كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ثم يصيروا إليك.
*تصفد فيه الشياطين.
*تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار.
*فيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم الخير كله.*يغفر للصائمين في آخر ليلة من رمضان.
*لله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة من رمضان.
هذه ميادين الرحمن للأجور والرحمات المفتحة الأبواب أمام المؤمنين والمؤمنات، والبيت المسلم أحرص البيوت على الأجر والرضا والغفران فمن ميادين الخيرات التي ينبغي على الأسرة المسلمة اغتنامها والفوز بأجر الله العظيم المترتب عليها إطعام الطعام والإيثار.قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:8-12].
فقد كان الصالحون يحرصون على إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات، سواء كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام صالح، فلا يشترط في المطعم الفقر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)) [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني] .
وقد قال بعض الصالحين: لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إلى من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل.
وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم منهم عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما، وداود الطائي ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه فلم يفطر في تلك الليلة.
وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام، وهو صائم ويجلس بخدمهم ويروّحهم، منهم الحسن وابن المبارك.
قال أبو السوار العدوي: (( كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه)).وعبادة إطعام الطعام، ينشأ عنها عبادات كثيرة منها: التودد والتحبب فيكون ذلك سبباً في دخول الجنة كما ينشأ عنها مجالسة الصالحين واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك.
قال صلى الله عليه وسلم: ((من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء)) [أخرجه أحمد والنسائي وصححه الألباني] وفي حديث سلمان: (( من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء))، قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء، ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها، حتى يدخل الجنة)).
ومن ميادين الطاعات التي ينبغي أن تعم في البيوت الصالحة المؤمنة في رمضان ميدان قيام الليل بالصلاة والذكر والطاعات :
كان قيام الليل دأب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قالت عائشة رضي الله عنها: ((لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً)).وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، ثم يقول لهم الصلاة الصلاة.. ويتلو{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] وكان ابن عمر يقرأ هذه الآية {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9].
قال: ذاك عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال ابن أبي حاتم: وإنما قال ابن عمر ذلك لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته حتى أنه ربما قرأ القرآن في ركعة.
وعن علقمة بن قيس قال: ((بت مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ليلة فقام أول الليل ثم قام يصلي، فكان يقرأ قراءة الإمام في مسجد حيه يرتل ولا يراجع، يسمع من حوله ولا يرجع صوته، حتى لم يبق من الغلس إلا كما بين أذان المغرب إلى الانصراف منها ثم أوتر)).
وفي حديث السائب بن زيد قال: ((كان القارئ يقرأ بالمئين - يعني بمئات الآيات - حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام قال: وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر)).
ومن ميادين الأجور في البيوت الصالحة في رمضان الصدقة :
كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة صدقة في رمضان)) [أخرجه الترمذي عن أنس].أما عن قراءة القرآن فشهر رمضان شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد المسلم من قراءته، وقد كان من حال السلف العناية بكتاب الله، فكان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة، يقرؤها في غير الصلاة، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة، وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث، ومجالسة أهل العلم، ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
قال ابن رجب: إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان والأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان.
هذا هو حال الأسرة المؤمنة في رمضان بحث عن ميادين الطاعات واجتهاد في الخيرات ورفع الدعوت والذكر في الخلوات والصيام والقيام بغية رضا الرحمن سبحانه وتعالى نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا البر والطاعة في رمضان وأن يجعلنا من الذين سبقت لهم منه الحسنى .
البيوت المسلمة في رمضان
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة