الإستاذ الدكتور /أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
الإمام ابن حنبل أحد الذين بذلوا الصدق والحب الحقيقي لله فكان يؤتى له بمال الأمراء والحكام فيرده لأنه يحب أن يأكل حلالا
كان إسماعيل عليه السلام صادقا فى البذل لله تعالى والتضحية فأكرمه الله تعالى بمعجزة عظيمة وكرامة كبيرة
أيها الأحباب.. إن الناس فى بذل العطاء يتفاوتون، والإنسان كله عطاء، كلامه عطاء، تجارته عطاء، صلاته عطاء، دعوته إلى الله تعالى عطاء.
هذه الحياةُ مليئة بالذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة..
كان حبيبكم صلوات ربي وسلامه عليه يزهد في الطعام كثيرا، ومعه أهل بيته وينتظر أن يؤتى له بطعام، وبعد أيام أو أسابيع يؤتى له بالطعام، فتقول فاطمة الزهراء الكريمة بنت الكريم: يا أبي، إن هناك من أحبابك من يموتون جوعًا خلف الحجرات، وهم أهل الصفة هل أحمل لهم؟ يقول لها صلى الله عليه وسلم: نعم، الله أكبر.. كان ينتظر الطعام ومعه أهله، ولكن عندما يأتي الطعام يعطيه لأصحابه، ويبقى صلى الله عليه وسلم صابرا على الجوع فى سبيل أن يطعم أصحابه، إنه بذل النبي صلى الله عليه وسلم، أفضل بذل فى الحياة.نبي الله إسماعيل عليه السلام:
ومن أعظم صور البذل أيها الإخوة الأحباب قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، لما رأى نبي الله إبراهيم عليه السلام فى المنام أنه يذبح ولده إسماعيل، فلما تكررت الرؤيا علم إبراهيم عليه السلام أن هذا أمر من الله تعالى فقرر أن ينفذ أمر الله، فأخبر ولده البارّ بهذا الأمر، فما كان من هذا الابن البار الطائع لله تعالى ولأبيه النبي إلا أن امتثل لأمر الله تعالى ولم يتردد، فقال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ". "مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102]. فلما كان إسماعيل عليه السلام صادقا فى البذل لله تعالى والتضحية من أجل أمر الله عز وجل، أكرمه الله تعالى بمعجزة عظيمة وكرامة كبيرة، ففداه الله تعالى وجعله نبيا من الصالحين، لأن الله تعالى يجزى المحسنين، قال تعالى: {وفَدَيناهُ بِذِبحٍ عظيمٍ} [الصافات: 106]، وقال تعالى: { إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}، [الصافات: 109]، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، من أحسن فله من الله الإحسان.أيها الأحباب. إن حب البذل من أجل الله تعالى هو الذى جعل إسماعيل عليه السلام ينقاد إلى أمر الله تعالى دون تردد ولا توانى أو تفكير فى الأمر.. لا تتعجب إنه حب البذل من أجل الله تعالى.
الصديق أبو بكر رضي الله عنه:
هذا أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ما زال يبذل نفسه وماله في مرضات الله حتى نال فضيلة قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر)). رواه ابن ماجه وغيره.وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يدعى من أبواب الجنة كلها يوم القيامة ومنها باب المجاهدين، وهذا في الصحيحين. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ)) ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا مِنْ ضَرُورَةٍ؟ فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ منهم)).
وعَنْ هِشَام بْن سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالاً عِنْدِي فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْماً فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟)).قُلْتُ: مِثْلَهُ.
قَالَ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟)).
قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.قُلْتُ – أي عمر رضي الله عنه -: لاَ أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَداً. أي بذل أفضل من هذا؟
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه:
قدم أعرابي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد قرض الجوع بطنه وبه من الفقر ما به فقال له:
يا عمر الخير جزيت الجنة *** اكس بناتي وأمهنّ
وكن لنا في ذا الزمان جنة *** أقسم بالله لتفعلنّ
قال عمر وإن لم أفعل يكون ماذا؟ قال:
إذًا أبا حفص لأمضين
قال وإذا مضيت يكون ماذا؟ قال:
والله عنهن لتُسألُنّ
يوم تكون الأعطيات منة
وموقف المسؤول بينهن
إما إلى نار وإما إلى جنة
فلم يتمالك عمر رضي الله عنه وأرضاه نفسه وأجهش بالبكاء حتى ابتلت لحيته، ودخل بيته ولم يجد شيئا في بيته، فما كان إلا أن خلع ردائه وقال خذ هذا ليوم تكون الأعطيات منة، وموقف المسؤول بينهن، إما إلى نار وإما جنة. رضي عن عمر الفاروق الذى بذل حياته وماله للإسلم والمسلمين، حبا لله تعالى، وشوقا إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
كان أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى أحد هؤلاء الذين بذلوا الصدق، والذين بذلوا الحب الحقيقي لله تعالى، {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ} [البقرة: 165].فكان يؤتى له بالمال من الحكام والأمراء والوزراء، فكان يرده، لأنه يحب أن يأكل حلالا، وهذا هو بذل الحب في أكل الحلال، فقد ظل ثمانية عشر عاما، يلبس خفين ولم يشتر غيرهما، ولكنه كان سعيدا أن معيشته كانت من الحلال الخالص. لست أتكلم عن زهد أحمد بن حنبل، وإنما أتكلم عن بذل الكلمة الصادقة، فالذي يتكلم بالصدق لا يتنازل ولا يبيع دينه كي يرضي حاكمًا أو وزيرا، فلا يسخط الله الملك ويرضي العباد.
كعب بن مالك رضي الله عنه:
لقد كان بإمكان كعب بن مالك أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعتذر بما اعتذر به المنافقون وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل اعتذاره لا ريب كما قبل اعتذار المنافقين.. ثم يستمتع كعب بكذبه حتى حين. لكن كعبا كان يدرك أن الأمر ليس بالسهولة التي يتصورها البعض وكان يدرك أن الكذب ليس من شيم الكرام، وأيقن أن كذبه قد يخفى على محمد صلى الله عليه وسلم لأنه بشر لا يعلم الغيب، ولا يعلم ما في القلوب. لكنه لا يخفى على علام الغيوب.. الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، لقد تحمل كعب - رضي الله عنه - هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجر الناس له خمسين ليلة بتمامها، ومرت عليه كأنها الدهر كله من شدة ما لاقي من الفراق المر والقطيعة الصعبة حتى ضاقت به نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت.عمر بن عبد العزيز رحمه الله:
قال مالك بن دينار: يقولون مالك زاهد، أي زهد عندي؟ إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز، أتته الدنيا فاغرة فاها، فتركها جملة.قالوا: ولم يكن له سوى قميص واحد، فكان إذا غسلوه جلس في المنزل حتى ييبس، وقد وقف مرة على راهب فقال له: ويحك عظني، فقال له: عليك بقول الشاعر:
تجرد من الدنيا فإنك إنما * خرجتَ إلى الدنيا وأنت مجرد
قال: وكان يعجبه ، ويكرره ، وعمل به حق العمل.قالوا: ودخل على امرأته يوما فسألها أن تقرضه درهما، أو فلوسا يشتري له بها عِنَبا، فلم يجد عندها شيئا، فقالت له: أنت أمير المؤمنين وليس في خزانتك ما تشتري به عنبا؟ فقال: هذا أيسر من معالجة الأغلال، والأنكال، غدا، في نار جهنم
الناس فى بذل العطاء يتفاوتون والإنسان كله عطاء
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة