الإستاذ الدكتور /أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
الأوقات كلها مليئة بالأعمال، لا وقت عندك للراحة، حتى إذا نامت عيناك، فأنت في أوقات طاعة. وإليك أخى الحبيب بعض النماذج للذين بذلوا أعمارهم لله تعالى:
أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﻳﺮﺍﻗﺐ ﺃﺑا ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻭﺷﺪ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻪ ﺃﻥ ﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻳﺨﺮﺝ إﻟﻰ ﺃﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻭﻳﻤﺮ ﺑﻜﻮﺥ ﺻﻐﻴﺮ ﻭﻳﺪﺧﻞ ﺑﻪ ﻟﺴﺎﻋﺎﺕ ﺛﻢ ﻳﻨﺼﺮﻑ ﻟﺒﻴﺘﻪ.. ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺑﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﻻ ﻳﺪﺭﻱ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﺔ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺩﺍﺧﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻷﻥ ﻋﻤﺮ ﻳﻌﺮﻑ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻣﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﺬﻯ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻋﻤﺮ ﺳﺮﻩ..
ﻣﺮﺕ ﺍلأﻳﺎﻡ ﻭﻣﺎﺯﺍﻝ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺃﺑوﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﻳﺰﻭﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﻣﺎﺯﺍﻝ ﻋﻤﺮ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺩﺍﺧﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻗﺮﺭ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺑﻌﺪ ﺧﺮﻭﺝ أبي ﺑﻜﺮ ﻣﻨﻪ ﻟﻴﺸﺎﻫﺪ بعينيه ﻣﺎ ﺑﺪﺍﺧﻠﻪ ﻭﻟﻴﻌﺮﻑ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻔﻌﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻔﺠﺮ، وعندما ﺩﺧﻞ ﻋﻤﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﺥ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻭﺟﺪ ﺳﻴﺪﺓ ﻋﺠﻮﺯا ﻻ ﺗﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺮﺍﻙ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻋﻤﻴﺎﺀ، ﻭﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﺷﻴﺌﺎ ﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻓﺎﺳﺘﻐﺮﺏ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻣﻤﺎ ﺷﺎﻫﺪ، ﻭﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﻣﺎ ﺳﺮ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﺀ!فسأل ﻋﻤﺮ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ: ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻔﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻋﻨﺪﻛﻢ؟ ﻳﻘﺼﺪ ﺃبا ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ، ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﻭﻗﺎﻟﺖ: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﺃﻋﻠﻢ ﻳﺎ ﺑﻨي ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻳﺄﺗﻰ ﻛﻞ ﺻﺒﺎﺡ ﻭﻳﻨﻈﻒ ﻟﻲ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﻳﻜﻨﺴﻪ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﻌﺪ ﻟي ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻭﻳﻨﺼﺮﻑ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻠﻤﻨﻰ، فجثا ﻋﻤﺮ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻋﻠﻰ ﺭﻛﺒﺘﻴﻪ امتلأت ﻋﻴﻨﺎﻩ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮﻉ، ﻭﻗﺎﻝ قولته ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ: والله لا أسابقك إلى شيء أبدا يا أبا بكر. أي بذل فى الحياة أعظم من هذا؟.
الإمام بن تيمية رحمه الله:
يقول شيخ الإسلام الإمام أحمد بن تيميه رحمه الله: سياحتي فى خلوتي مع الله؛ أجلس مع الله ساعة، ساعتين، ثلاثة، هذه أجمل سياحة، وأحسن زاد، أن تنسى الدنيا وما فيها، تنسى الطعام والشراب، تنسى الزوجة والأولاد، تنسى متع الحياة، وتلك أعظم لذة. وذلك أفضل بذل.الشافعي رحمه الله:
وكانت لذة الإمام الشافعي رحمه الله فى ختم القرآن الكريم كل ثلاثة أيام، فكانت راحته فى بذل الوقت فى هذا، يقرأ كل يوم عشرة أجزاء، منتهى المتعة، مع منتهى التركيز، مع منتهى الهمة العالية، ليس المهم ماذا يفعل بعد هذا، وعنده دروسه ومؤلفاته وطلابه، لكن كيف يعان؟ القرآن يعطي له إعانة، القرآن يعطي له تغذية، القرآن يعطي له طاقة عالية يقوى بها على طاعة الله عز وجل.ابن القيم رحمه الله:
وكان ابن القيم حسن الخلق دائم التودد والبشر للناس، يغلب عليه الخير الجم والأخلاق الصالحة مع عبادة طويلة وطريقة مشهورة في الصلاة تشبه صلاة الصالحين من سلف الأمة حيث يطيلها إلى حد كبير جدًا، وكان كثير البكاء والدعاء والمعاتبة لنفسه، شديد الخوف من التقصير والتفريط، وهذه الأمور والخصال أكسبته قدرة كبيرة على الغوص في معاني الآيات والأحاديث ودقائق النفس البشرية، حتى أصبح كأنه من أشهر الأطباء النفسيين، ومن كبار خبراء علل القلوب وأمراضها وكيفية علاجها، حتى فاق كل معاصريه حتى أستاذه ابن تيمية، حتى الغزالي صاحب الإحياء والهروي صاحب المنازل.ولقد أثرى ابن القيم المكتبة الإسلامية بالكثير من المؤلفات في شتى فروع العلم في التفسير والأصول والفروع والحديث والرقائق والزهد والوعظ والإرشاد والسلوك، منها على سبيل المثال: إعلام الموقعين وزاد المعاد وإغاثة اللهفان ومدارج السالكين وبدائع الفوائد والداء والدواء وشفاء العليل والصواعق المرسلة واجتماع الجيوش الإسلامية،
وكان له حافظة عجيبة وقريحة سيالة حتى أنه كتب سفره الحافل زاد المعاد وهو عائد من رحلة الحج ولم يكن معه أي مراجع أو مصادر، بل كتبه كله من ذاكرته الحافظة، وهذا الذي جعله يتقدم علماء عصره ويعترفون هم له بذلك، بل عده بعضهم من المجتهدين المطلقين. رحمه الله فقد بذل كل عمره لله ولعباده المؤمنين.
أيها الأحباب.. الفاتحون الذين خرجوا من المدينة إلى بلاد الأندلس لكي يدخلوا الإسلام إلى أوربا، وخرجوا من المدينة وخرج الناس معهم من الشام ومن مصر ومن أفريقية التي هي تونس والجزائر واستقروا في المغرب، وتجمعت الجيوش الإسلامية والعربية لكي يدخلوا بلاد الأندلس، تخيل هذا المشهد، مشهد عظيم، إنه جيش الإسلام، هؤلاء الذين خرجوا ما أرادوا دنيا، لا يريدون مناصب، يريدون أن يدخلوا الناس فى أوروبا إلى الإسلام، إنهم القوم الذين عاشوا لغيرهم، عاشوا لكي يعلوا كلمة "لا إله إلا الله"، بذلوا أعمارهم كلها فى نشر دين الله عز وجل، بذلوا كل الغالى والنفيس من أجل الله تعالى، ومن أجل أن يدخل الناس فى دين الله أفواجا، فأقاموا دولة إسلامية فى قلب أوروبا استمرت ثمانمائة عام. ولذلك عندما ركزوا مع الله عز وجل،
وشعروا بالمسئولية، وأن الإسلام يحتاج إلى رجال، كان الله عز وجل معهم، ويوم أن تاهوا في دهاليز الخلافات، ودولة الطوائف، وتعاون المسلمون مع النصارى على طرد المسلمين، كانت نهايتهم، عندما بذلوا الوقت والعمر لله كان الله عز وجل معهم، وعندما بذلوا أعمارهم وأوقاتهم للنزاع على السلطة والكراسي ضاعوا وضيعوا جزءا كبيرا من تاريخ الإسلام.
ليتها دامت، دعوني أبكى، ومالي لا أبكي وقد تحولت مساجدنا في قرطبة وفي إشبيلية إلى كنائس؟ ومالي لا أبكي وقد طمست معالم الإسلام؟ لكنني كلما ذكرت الباذلين أوقاتهم لله فإني أفرح بهؤلاء، الذي خرج من بلاده وظل يبلغ الرسالة حتى مات في بلد غير بلده، ولا يعرف أولاده أو زوجته أين مات، لقد خرج لكي يعلم الناس القرآن والسُنة لا يحمل سيفًا يقتل به الناس ويجز رؤوسهم، وهذه هي حياة المسلمين على مدى تاريخهم، اللين والعطف على الآخرين، وعدم قتال المسالمين، وحفظ حقوق الجار.
إنها معادلة ربانية جميلة، مادمت في سبيل الله تبذل علما وتبذل وقتا وتبذل رسالة فإنك تعان، وهكذا عاش أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن عندما تدخل فيها مطالب النفس وشهواتها ولذاتها ورغباتها، فإنك تنكس، هل تعلمون أن الله تعالى ألان الحديد لداوود عليه السلام، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10]،
الحديد أصبح لينًا مثل الماء في يده، لماذا؟ لأنه يبذل وقتًا في الذكر وفي الطاعة، فإذا كان العبد مخلصا مع الله، وإذا كان العبد صادقا مع الله، فلماذا لا يهيئ له الأسباب؟ لماذا لا يعينه؟ لماذا لا يساعده؟ لماذا لا يعطي الواحد منهم قوة آلاف الرجال؟ فإن مشى مشى باسم الله،
وإن رجع رجع باسم الله، وإن تكلم تكلم باسم الله، وإن سكت سكت باسم الله،
أحسن زاد للمؤمن أن ينسى الدنيا وما فيها
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة