أم الذبيح(هاجر) من سلسلة زوجات الأنبياء

محاضرات
طبوغرافي

بقلم الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الاسلامى

لما ولد لهاجر هاجر عليها السلام إسماعيل اشتدت غيرة سارة منها، وطلبت من الخليل أن يغيب وجهها عنها، فذهب بها وبولدها، فسار بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم، ويقال: إن ولدها كان إذ ذاك رضيعا، فلما تركهما هناك وولي ظهره عنهما قامت إليه هاجر، وتعلقت بثيابه، وقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ههنا، وليس معنا ما يكفينا،

فلم يجبها، فلما ألحت عليه، وهو لا يجيبها قالت له، الله أمرك بهذا ؟
قال: نعم. قالت: فإذا لا يضيعنا.


قال البخاري: قال عبد الله بن محمد - هو أبو بكر بن أبي شيبة - حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب السختياني، وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة، يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ((أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم اسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل، وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابًا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفي إبراهيم منطلقا، فتبعته أم اسماعيل، فقالت يا إبراهيم :أين تذهب، وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنس ولا شيء، فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها.


فقالت له: الله أمرك بهذا،
قال: نعم. قالت إذا لا يضيعنا.
ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال :{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ(37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38(}
وجعلت أم اسماعيل ترضع اسماعيل، وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الارض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ذراعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى إذا جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فلذلك سعى الناس بينهما)) فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا، فقالت: صه، تريد نفسها.


ثم تسمعت، فسمعت أيضًا ; فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث.
فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء، فجعلت تخوضه، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهي تفور بعد ما تغرف، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم ((يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم)) أو قال : لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا، فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافى الضيعة، فإن ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعًا من الارض كالرابية، تأتيه السيول، فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم، مقبلين من طريق كذا، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا ، "فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريًا أو جريين، فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا، قال: وأم اسمعيل عند الماء، فقالوا تأذنين لنا أن ننزل عندك، قالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم.


قال عبد الله بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فألقى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم، وماتت أم اسمعيل فجاء ابراهيم بعد ما تزوج اسمعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته، فقالت : خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشر في ضيق وشدة، وشكت إليه قال: فإذا جاء زوجك، أقرئي عليه السلام، وقولي له: يغير عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل، كأنه آنس شيئًا، فقال: هل جاءكم من أحد ؟ فقالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة.
قال: فهل أوصاك بشيء، فقالت : نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك غير عتبة بابك.


قال: ذاك أبي، وأمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك، فطلقها، وتزوج منهم أخرى، ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد، فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه.


فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم، وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت : نحن بخير وسعة وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم قال: فما شرابكم، قالت: الماء.


قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء.


قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولم يكن لهم يومئذ حب)).


ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه "
قال: فإذا جاء زوجك، فأقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء اسماعيل قال: هل أتاكم من أحد.
قالت: نعم أتانا شيخ حسن، قال الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك، فأخبرته، فسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنا بخير، قال: فأوصاك بشيء، قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأمرني أن أمسكك
ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك إسمأعيل يبري نبلا له تحت دوحةٍ قريبًا من زمزم فلما رآه قام إليه.


فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد، ثم قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك به ربك قال : وتعينني، قال: وأعينك، قال فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتًا، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.