الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
حياة الأنبياء حياة المشاهدة: "إني أرى في المنام أني أذبحك" في المنام هنا، كلمة المنام كأنها اليقظة تمامًا، فإنَّ الأنبياء يشاهدون بنور الله عز وجل، وإن روئ الأنبياء حق، من هذا المنطلق، يأتي درس الليلة، بفضل الله تعالى، جولة في عقل الحبيب صلى الله عليه وسلم، كان صلى الله عليه وسلم، تنام عيناه، ولا ينام قلبه، الله أكبر.
تنام عيناك يا حبيب الله، لكن قلبك موصول برب الأرباب، تنام عيناك يا حبيب الله لكن قلبك ينتقل من جنة إلى جنة إلى جنة.
أتى جبريل عليه السلام النبي ذات ليلة في رؤية عظيمة، يقول له: بشر السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها أن لها قصرًا في الجنة، وظل جبريل عليه السلام يصف القصر لسيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه، صفاته كذا، وصفاته كذا، الجميل في هذا الحديث ليس في وصف القصر، لكن الجميل أن سيدنا محمد يتلقى البشرى لزوجته، "بشِّر".
لغة بشِّر التي فيها الراحة، والأمن والأمان عندما تأتي، من الله إلى جبريل إلى سيدنا محمد، صلوات ربي وسلامه عليه، فإن فيها خيرًا كبيرًا لا ينتهي.
كيف يرى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه في الرؤيا؟
يأتي إليه ملكان كما جاء في الصحيح، فيأخذانه صلوات ربي وسلامه عليه، واحد عن يمينه وواحد عن يساره، وأخذاه صلوات ربي وسلامه عليه إلى مكان فسيح، وأطلعاه على مائدة وعليها مأدبة، والناس يلتفون حولها، فلما استيقظ قص الرؤيا على أصحابه، فقالوا: وما تأويلها يا رسول الله؟
فقال: إن الذي أقام المأدبة، هو الملك.
وإن الداعي هو أنا، فمن دخل المائدة، فقد رضي عنه الملك، ومن أجاب فقد أجاب الداعي، ومن أكل منها، دخل في الإسلام.
الملك هو الله، والمأدبة هي الإسلام، والداعي هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن دخل المأدبة، فقد رضي عنه الملك، وأجاب الداعي، أي دخل في الإسلام، ذلك أن الإسلام يجمع الناس، ولا يفرقهم، وأن الله تعالى هو الذي نزَّل الذكر الحكيم، فهو الملك، وأن الذي دعا الناس هو سيدنا صلى الله عليه وسلم: {يا قومنا أجيبوا داعي الله} وداعي الله هو نبينا صلى الله عليه وسلم.
جولة في عقل الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو نائم، وما كان نومه نومًا، بل كان نومه سياحة في سبيل الله.
شاهد النبى صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه في الجنة، وعندما أصبح، حكى لهم وبشرهم،
فكان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه.
روى الشيخان في( صحيحيهما) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا أنا نائم أريت أني أنزع على حوضي أسقي الناس فجاءني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليروحني فنزع دلوين وفي نزعه ضعف والله يغفر له فجاء ابن الخطاب فأخذ منه فلم أر نزع رجل قط أقوى منه حتى تولى الناس والحوض ملآن يتفجر)).
تأويل هذا الحديث: سيتولى الخلافة بعد النبى صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ويعيش فترة زمنية قصيرة في الخلافة، ستكون فترة صعبة وشديدة فيها حروب الردة، فنزع دلوين، لم يكمل سنتين في الخلافة رضي الله تعالى عنه، وفيهما ضعف، غفر الله له.
ثم أتى عمر رضي الله تعالى عنه، وأصبح أمير المؤمنين، فروى أي كما قال سيدنا امتلأت الدنيا كلها بنور الإسلام.
صدقت يا حبيب الله، فإن الفتوحات الإسلامية الكبرى، كانت في عهد الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه.
وشاهد النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا أيضًا، أن عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه، هو أول مهاجر سيموت في المدينة، ويدفن في البقيع، شاهده النبي وأول له الرؤيا: رأيتني أشرب قدحًا من لبن، فلما شربته، لم أستتمه، فكان فيه فضل أى زيادة، فأعطيته لعمر، الله أكبر، فقالوا: وما تأويله يارسول الله؟
قال: تأويله الدين، أي أن عمر خير من يقوم بالدين بعدي.
الإسلام سينتشر، ويغطي بلاد الأعاجم، قال صلى الله عليه وسلم: رأيت أغنامًا سودًا كثيرة، وفجأة وجدت أغنامًا بيضًا دخلت عليها، فاختلطت - رأيت أسودها مع أبيضها، ورأيت أبيضها مع أسودها- فقالوا: يا رسول الله بماذا أولت ذلك؟
فقال إنهم الأعاجم، الأغنام البيضاء- أي الأعاجم- لما يغلب عليهم من بياض، والأغنام السود العرب، لما يغلب على البيئة العربية، قال سيدنا صلوات ربي وسلامه عليه رأيت أغنامًا سودًا، وأغنامًا بيضاء، واختلطت.
الأغنام البيضاء تأويلها الأعاجم الذين يدخلون في الإسلام، ولو كان الإيمان معلقًا بالثريا، لكان للأعاجم، بمعنى أن النبي تنبأ أن معظم علماء هذه الأمة، سيكونون من الأعاجم، وهذه حقيقة، فأكبر علماء الأمة على سبيل المثال أبو حنيفة والبخاري من الأعاجم، وغيرهما الكثير والكثير من العلماء الكبار.
فمن عظمة الإسلام أن هذه البلاد قد دخلت في دين الله سبحانه وتعالى، واستطاع الإسلام أن يكسوها بالنور، وأن تنسى هذه البلاد الفارسية والرومية العصبية التى كانت تعيش عليها.
ظل النبي صلى الله عليه وسلم، يترقب متى وكيف سيعود مرة ثانية إلى مكة؟
قبل أن أذكر لكم هذه الرؤيا، فإني أذكركم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذهب في العام السادس، لكي يعتمر ومعه أصحابه، فلم يتمكن، وكان النبي صلوات ربي وسلامه عليه يتمنى أن يدخل مكة في هذا العام، سبحان الملك، لكن الله تعالى له المشيئة.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم، وهو يطارَد في الطريق: والله لو دعتني قريش إلى خطة توصَل فيها الأرحام، وتحقن فيها الدماء، لأجبتهم.
فكان مسالماً وظل مسالماً حتى لقي ربه، وتعلمون أن قريشًا أصرت، على أن النبي لن يدخلها أبدًا، صلوات ربي وسلامه عليه.
والصحابة الكرام، كانوا رافضين لهذا الموقف، بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم، مصرًّا على هذا لأنه أمر الله سبحانه وتعالى.
وعاد النبي في العام السادس ولم يعتمر، وتحلل من إحرامه، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بينما هو عائد إلى المدينة، شاهد في الرؤيا صلوات ربي وسلامه عليه، أن مكة ستفتح أمامه.
فكانت هذه الرؤيا راحة لقلب نبينا صلوات ربي وسلامه عليه، لقد صدق الله رسوله الرؤيا، أي الرؤيا التي شاهدها النبي صلى الله عليه وسلم، رؤيا صادقة، أنه سيفتح مكة، وماذا بعد؟
يأتي الفرج من الله سبحانه وتعالى.
{لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق}، فهذا حق الله، وهذه رؤيا رسول الله وإنها لحق، سبحان من هذا كلامه، سبحان من هذا بيانه.
قال عمر رضى الله عنه أثناء المفاوضات في الحديبية، لسيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه: ألست رسول الله؟! ألست نبي الله؟! قال له بلى.
فقال له عمر رضي الله تعالى عنه، فلمَ نعطي الدنية في ديننا؟ قال: إني رسول الله، ولن يضيعني.
قال له عمر رضي الله تعالى عنه: ألم تقل إنك تأتي البيت، وتطوف حول البيت؟ قال له: بلى قلت لك هذا، لكن هل قلت لك، أنك تأتي البيت في هذا العام بالذات؟ قال له لا، هل قلت لك أنك تطوف حول البيت في هذا العام؟ قال له: لا.
فقال له: أبشر، انتهى الحوار على هذا، فلما شاهد النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا بأنه سيدخل المسجد الحرام، ومعه أصحابه آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين لا يخافون:
{فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحًا قريبًا}
فكان الفتح، إذًا فتح مكة كانت بشرياته من الرؤيا الصالحة.
وبعدها حكى النبى صلوات ربى وسلامه عليه هذه الرؤيا لأصحابه وبشرهم بفتح مكة:{إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا}
الفتح أيضًا يأتي بالرؤيا، في العام السابع، رأى النبي صلوات ربي وسلامه عليه في الرؤيا أن أبا جهل أتى وبايع النبي صلوات ربي وسلامه عليه
الذي كان قد قتل في غزوة بدر في العام الثاني، نحن الأن بعد خمس سنين، جلس النبي مع أصحابه، فقال لهم: رأيت البارحة كذا، رأيت أن أبا جهل أتاني الليلة فبايعني على الإسلام، فبايعته على الإسلام.
فقالوا: ما تأويله يا رسول الله؟
فسكت النبي صلى الله عليه وسلم قليلًا، ثم قال إن قومًا من أهله، سيدخلون الإسلام قريبًا، وفي نفس الأسبوع أسلم خالد بن الوليد، وأسلم بعده عكرمة بن أبي جهل الله أكبر، شاهد النبي العظيم إسلامهم، قبل أن يسلموا، فأسلم خالد في العام السابع، وأتى عمرو بن العاص، وأسلم في العام السابع، وأتى عكرمة وأسلم في العام الثامن، هكذا دامت الأرض للإسلام بما يرى النبي صلى الله عليه وسلم، من رؤى صادقة يحدث بها أصحابه، ويرسم بها طريقهم للدعوة إلى الله عز وجل.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن الرؤيا الصالحة جزء من النبوة، كما حدثتكم في الدرس السابق.
وكان سيدنا صلوات ربي وسلامه عليه إذا صلى الفجر التفت إلى أصحابه بعد أن يختم الصلاة، ويسألهم ؟ من رأى منكم البارحة رؤيا ؟
فكان عبد الله بن عمر صغيرًا في هذا الوقت، وكان يتمنى أن يرى رؤيا، فشاهد رؤيا وهو صغير السن، وكان ينام في المسجد، واستحيا أن يقصها على النبى صلى الله عليه وسلم،
"مع رؤى الحبيب صلى الله عليه وسلم.. حياة الأنبياء حياة مشاهدة"
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة