مع الأخفياء

معية الحبيب
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

الحمد لله رب العالمين الموصوف بالكمال بيده الملك و الملكوت سبحان من سبح الرعد بحمده و الملائكة من خيفته و صلاة و سلام على صاحب الوجه الأنور و الجبين الأزهر و صاحب الشفاعة العظمى محمد سيد الكونين و الفريقين و الثقلين من عرب و من عجم دعا إلى الله فالمستمسكين به مستمسكون بحبل غير منفصم


 اللهم صلي و سلم و بارك عليك يا من علمتنا الطريق إلى الله تعالى

حالة الأخفياء حالة لصفوة الصفوة من أصحاب النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم،ومن التابعين، ومن السلف الصالح يقول عنهم الملك{ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ }

رسول الله هو الذي ربى هؤلاء فهو الذي كان يبيت طاويًا جائعًا، ولا يعلم أحد عنه شيئا.. هو الذي كان يخرج إلى بيوت الأنصار يتفقدها لكي يبحث عن هؤلاء الذين لا يسألون الناس إلحافا.

* رسول الله صلى عليه وسلم قدوة الأخفياء
* الصديق رضى الله تعالى عنه
* زين العابدين على بن الحسن
* أويس القرنى
صلة بن أشيم
* أبو مسلم الخولانى * وعقبة بن نافع

وهم ممن لا يعرف الناس خبايا علاقتهم المتميزة بالله تعالى، وهم من إذا غابوا لا يسأل عنهم أحد لعدم شهرتهم بين الناس، فهم أخفياء لا يعرف سرهم أحد، فهم يستترون بأعمالهم؛ كى لا تكون رياء.

 والأخفياء هم صفوة الصفوة، وهم من يقول الله تعالى عنهم {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}[فاطر: 29] فعبادتهم، وطاعتهم، وتقربهم إلى الله تعالى تكون فى سرية، ويحتفظون بخصوصية بينهم وبين الله تعالى، فهم من تربوا على نهج النبى صلى الله عليه وسلم، وهو قدوتهم فقد كان صلى الله عليه وسلم يبيت طاويًا جائعًا، ولا يعلم أحد عنه شيئًا، وقد كان صلى الله عليه وسلم يخرج إلى بيوت الأنصار يتفقدها؛ لكى يبحث عن هؤلاء الأخفياء، فهم لا يسألون الناس مهما بلغت بهم الحاجة.

وهذا الصديق رضى الله تعالى عنه يسير على نهج رسولنا الكريم، فقد كان يبحث عن الطاعة والعبادة، وقضاء حوائج المسلمين فى خفية وسرية؛ فكان يذهب كل فجر إلى بيت امرأة عجوز فقيرة؛ كى يغسل لها ثيابها، وينظف لها بيتها، ويحلب لها شياهها، ويجهز لها ما تأكله وما تشرب، وهى لا تعلم من هو هذا الرجل الخفى الذى يطرق بابها كل فجر؛ لكى يقضى لها أمور حياتها.

 فما أجملك أيها الصديق، وما أجمل فعلك رضى الله تعالى عنك، فهؤلاء هم الأخفياء حقا.

ومعنا فى هذا البستان الإمام الكبير زين العابدين على بن الحسن، رضى الله تعالى عنه.

وهو من زيَّنَ المدينة حبًّا، وكان عمله خفيًّا، وكان نوره ساطعًا زهيًّا، وهو من كان يحمل كل ليلة الدقيق على كتفه ويمر به كل مساء لسنواتٍ عديدة، وهو أمير البلاد ووجيهها. ولم يكن يطرق الأبواب حياء من أهلها وحفاظًا على حيائهم، بل كان يضع الدقيق من على كتفه أمام بيت الفقير، فإذا أصبح النهار، وجد كل فقير رزقه أمام بيته سنوات عديدة، وكان رضى الله تعالى عنه يفعل هذا فى المدينة كلها: فقرائها، وأراملها، وعجائزها، وهو يتكتم سرًا (مع الأخفياء) وعلى مدى سنواتٍ عديدة تكفل بفقراء المدينة وأراملها، ولا يعرف أحد عنه شيئًا إلا الله سبحانه وتعالى. ويوم أن مات، وجد المغسلون آثار التجاعيد على كتفيه، وآثار الأحمال الثقيلة؛ فعُرِفَ فضلُه وبيانُه.

 وهذا أيضًا أويس القرنى، رضى الله تعالى عنه، كان ينزل مع الناس ويتخفى عنهم بعيدًا؛ لكى يخلو بخالقه، وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه، يذهب فى الحج لاستقبال أهل اليمن كى يبحث عنه (أفيكم أويس؟) لمدح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأويس القرني، عند سيدنا عمر بن الخطاب بأن دعاءه مستجاب... فلم ينس عمر بن الخطاب كل عام فى الحج كلمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أويس، فهو يبحث عن أويس، حتى وجده وطلب دعاءه، وما وجده بعد ذلك طيلة حياته إلا أن مات - رضى الله تعالى عنكما.

فـ (أويس القرنى) من الأخفياء، ممن علموا الأمة كلها، كيف يستجاب الدعاء بتقوى الله تعالى.

وما ينبغى أن ندخل اليمن ونخرج منها ولا نلتقى بأبى مسلم الخولانى (فارس الليل، أو رهبان الليل)، فحينما ظهر الأسود العنسى فى بلاد اليمن، وادعى النبوة، وأنه رسول من الله حتى أتى بأبى مسلم الخولاني، وقال له: أتشهد أنى رسول الله. فقال له: إنى لا أسمع شيئًا. فأعاد عليه الأسود السؤال: أتشهد أنى رسول الله؟  فقال أبو مسلم: إن فى أذنى صممًا لا أسمع شيئًا. فقال الأسود للناس: اجمعوا حطبًا وخشبًا، وأوقدوا فيها النار، وتأتونى غدًا بهذا الرجل مقيدًا فى أغلاله... مكبلًا.

وفى اليوم التالى أتوا بأبى مسلم الخولانى رحمه الله تعالى، ووضِع أمام الأسود، فقال له الأسود: أتشهد أنى رسول الله؟.

فقال: لا، بل أشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: أوقدوا هذه النيران فأوقدوها، وظن الطاغية أن النار ستلتهم أبا مسلم الخولانى، ولكنها كانت عليه بردًا وسلامًا، ولم تنل منه شيئًا رحمه الله تعالى، حتى قال الناس: الحمد لله الذى جعل من أمة الإسلام مثلما كان عليه الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وها هو (صلة بن أشيم)، مثل أخر من الأخفياء، خرج مع المسلمين لفتح مدينة كابول، وكان فى النهار مجاهدًا كبيرًا،  تراه فى مقدمة الجيش نهارًا، وإذا ما جن الليل أستاره تراه من الأخفياء، وأمثال ابن أشيم الكثير، ومنهم عقبة بن نافع المجاهد والفاتح الكبير.  
 إن حديثنا عن الرسول الكريم، أو صحابته الكرام- رضى الله تعالى عنهم أجمعين– أو التابعين وتابعيهم، أمثال الإمام زين العابدين،

وصلة بن أشيم، وأبى مسلم الخولاني، وأويس القرني، وعقبة بن نافع كما سبق، قليل من قليل من أمثال هؤلاء الأعلام الكرام.

أيكم أخفى أعماله ذات ليلة فخرج يتفقد أحوال الناس و ينظر في أحوال الناس لعله يجد مكانًا بين هؤلاء الكرام بين هؤلاء الأكابر الذين ارتفعوا رفعة عظيمة ليس كمثلها رفعة؟

الذين لايتعرف الناس على خبايا علاقتهم المتميزة بالملك فهم إذا حضروا ازداد المكان بهم نورًا،و نوروا القلوب،و إذا غابوا لا يسأل عنهم أحد لعدم شهرتهم بين الناس فهم أخفياء كما قال سيدنا صلى الله عليه و سلم في وصف حالتهم حالة الأخفياء الذين يستترون بأعمالهم كي لا تكون رياء