عبد العزيز عمران
أمام بيتنا القديم كانت شجرة نبق أوراقها ممزوجة بضوء الشمس والقمر، ونبقها يختال بين لونين، ويحن إلى أنامل الأطفال الذين يمرحون تحتها فى أيام الصبا والخيال.
بضعة أعشاش للعصافير واليمام كانت تختبئ بين فروعها وأوراقها، فكنت أتسلل فى فجر أيامى صاعدًا فى حذر متشبثًا بفروعها الصغيرة حتى أجدنى بين فرعين يتمايل بهما الريح باحثًا عن عصفور صغير أو بعض النبق.وربما ظللت برهة ورأيت مقامى بين الفروع والأوراق أحب إلى من مقامى على الأرض، فلم يكن يشغلنى عن صفو السماء وخضرة الأوراق إلا صوت الحاجة خضرة وهى واقفة أسفل الشجرة تأمرنى أن أنزل برفق فى لهجة تجمع بين الخوف والحنان.
لم تكن هذه الشجرة شجرتنا، ولكنها شجرة الحاجة خضرة تلك السيدة التى أدركتها فى فجر أيامى وعرفتها جارة مقربة لنا تكاد تكون واحدة منا
كان بيتها ملاصقًا لبيتنا يجمع بين بابنا وبابها قطعة أرض، كنت أرى الناس يجلسون فيها تحت شمس الشتاء، وليل الصيف، لم يكن يغيبها عنا إلا حينما تذهب إلى النوم فى المساء، أو تذهب إلى نخلها البعيد فى الصباح.وربما أخذتنى معها إلى النخل فألهو بين صفوفه وألتقط من رطبه حتى أعود معها سعيدًا بخضرة الخلاء تترد فى ذهنى صورة الزروع والنخيل.
كانت هناك ألفة تجمع بيننا وبينها، إذا نظرت إليها لم يخيل لك ابدًا أن يحمل هذا الوجه سوءًا لأحد، ولا تتلفظ صاحبته بكلمة تغضب من يسمعها.لم تنهرنا أبدًا نحن الأطفال الذين كنت أجمعهم من كل صوب لنلعب تحت شجرة النبق.فى ذاكرتى الآن الشجرة وصاحبتها وردتان يانعتان أراهما كلما التفت للوراء، فيمنحانى الابتسامة والأمل والصفاء.
كم عدت من اغترابى لأنظر إلى شجرة النبق، فأسترجع معها أيام الصبا والحنين، كنت أحس بأوراقها وفروعها تهتز حينما ترانى ك وتبث لى أحاديث الزمان، حتى عدت يومًا فلم أجد صاحبة الشجرة، ثم عدت يومًا فلم أجد الشجرة، ثم عدت فى يوم آخر فلم أجد بيتنا القديم.
شجرة النبق
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة