أجدادنا الطيبون:الذين أنار الإسلام قلوبهم، وأنبت القرآن فى قلوبهم بستانَ الأخلاق الطيبة اليانعة.

قصص وروايات
طبوغرافي

عبد العظيم محمود عمران

عبدالعظيم عمران

جاء فى كتاب حلية الأولياء فى الصفحة السادسة والتسعين بعد الثلاثمائة من جزئه العاشر قصة أوردها أبو نعيم من بين مئات القصص وآلاف الأخبار، لكنها استوقفتنى وجعلتنى أتأملها مرة بعد مرة، وأعطف عليها كلما قلبت صفحات الكتاب حينًا بعد حين.

إنها قصة رجل من أجدادنا الطيبين الذين أنار الإسلام قلوبهم، وأنبت القرآن فى قلوبهم بستانَ الأخلاق الطيبة اليانعة.

هذا الرجل هو أبو جعفر أحمد بن مهدى بن رستم يحكى لنا قصته قائلًا:
(جاءتنى امرأة ببغداد ليلة من الليالي؛ فذكرت أنها من بنات الناس، وأنها امتحنت بمحنة وقالت لي: أسألك بالله أن تسترني.

فقلت: وما محنتك؟
قالت: أُكْرِهت على نفسي، وأنا حبلى، وذكرت للناس أنك زوجي، وأن ما بى من الحمل فمنك، فلا تفضحني، واسترنى سترك الله؛ فسكتُّ عنها، ومضت.

فلم أشعر حتى وضعت، وجاء إمام المحلة (أى الحى الذى تقطنه) فى جماعة الجيران يهنئونى بالولد الميمون النجيب، فأظهرت التهلل، ووزنت فى اليوم التالى دينارين، ودفعتهما إلى الإمام؛ فقلت: أبلغ هذا إلى تلك المرأة لتنفقها على المولود، فإنه سبق ما فرق بينى وبينها.

فكنت أدفع فى كل شهر دينارين، أوصلهما إليها بيد الإمام، وأقول: هذا نفقة المولود إلى أن أتى على ذلك سنتان، ثم توفى المولود فجاءنى الناس يعزونني؛ فكنت أظهر لهم التسليم والرضا، فجاءتنى المرأة بعد ذلك ليلة من الليالي، ومعها تلك الدنانير التى كنت أبعث بها إليها بيد الإمام؛ فردتها وقالت: سترك الله كما سترتني.

فقلت لها: هذه الدنانير كانت صلة منى للمولود، وهى لك؛ لأنك ترثينه، فاعملى فيها ما تريدين).
لعلك استوقفك كما استوقفنى أن الرجل لم يتردد فى الستر عليها، وتحمل فى صمت أن ينسب إليه ولد ليس من لحمه ولا من دمه حتى لا تفضح هذه المرأة على رءوس الأشهاد.

ولعلك استوقفك أيضًا عفاف الرجل الذى لم يتخذ من هذه الحادثة مدخلًا للدخول والخروج على المرأة أنى شاء، بل كان يرسل لها النفقة مع إمام الحي.

ولعلك استوقفك إظهار الرجل مشاعر الفرحة والتهلل بقدوم الولد حتى لا يدع أثرًا للشك يتسلل إلى قلوب جيران المرأة ومن حولها فيمس سمعتها وكرامتها.

ثم ربما يأخذك العجب من إرجاع المرأة النفقة التى كان يرسلها لها وكرم أبى جعفر الذى جمع بين الستر والنفقة.

إن أصحاب البلايا يحتاجون منا أن نؤازرهم، ونأخذ بأيديهم، ونستر عليهم، ولا ندعهم للشيطان يأخذ بتلابيبهم فرحًا سعيدًا، رحم الله أبا جعفر ورحم الله الصالحين الطيبين.