عبد العظيم محمود عمران
كنت قد قرأت قصة فى كتاب العقد الفريد لابن عبد ربِّهِ، منذ زمن ليس بالبعيد عن الشعبى قال: لقينى شريح فقال: يا شعبى عليك بنساء بنى تميم، فإنى رأيت لهن عقولًا. قال: وما رأيت من عقولهن؟ قال: أقبلت من جنازة ظهرا فمررت بدورهم فإذا أنا بعجوز على باب دار وإلى جنبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري، فعدلت فاستسقيت. فقالت: أى الشراب أحب إليك؟ فقلت: ما تيسر قالت: ويحك يا جارية إيتيه بلبن، فإنى أظن الرجل غريباً قلت: من هذه الجارية؟
قالت: هذه زينب بنت جرير إحدى نساء بنى حنظلة. قلت: فارغة هى أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة.
قلت: زوجينيها. فمضيت إلى المنزل فذهبت لأقيل. فامتنعت منى القائلة فلما صليت الظهر أخذت بأيدى إخوانى من القراء ومضيت أريد عمها. فاستقبل فقال: يا أبا أمية حاجتك؟ قلت: زينب بنت أخيك أنكحنيها.
فلما صارت فى حبالى ندمت، وقلت: أى شيء صنعت بنساء بنى تميم، وذكرت غلظ قلوبهن فقلت: أطلقها ثم قلت: لا ولكن أضمها إلى فإن رأيت ما أحب وإلا كان ذلك. فلو رأيتنى يا شعبى وقد أقبل نساؤهم يهدينها حتى أدخلت على فقلت: إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم فيصلى ركعتين فيسأل الله من خيرها،
ويعوذ به من شرها فصليت وسلمت، فإذا هى من خلفى تصلى بصلاتي، فلما خلا البيت دنوت منها فقالت: على رسلك أبا أمية كما أنت ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلى على محمد وآله،
إنى امرأةٌ غريبة لا علم لى بأخلاقك فبين لى ما تحب فآتيه وما تكره فأزدجر عنه...
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولك. قال: فأحوجتنى والله يا شعبى إلى الخطبة فى ذلك الموضع؛ فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلى على النبى وآله وسلم. وبعد فإنك قد قلت كلامًا إن تثبتى عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وأكره كذا ..
وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها. قالت : كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملنى أصهاري. قالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك آذن له ومن تكرهه أمنعه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء. قال: فبت يا شعبى بأنعم ليلة، ومكثت معى حولاً لا أرى إلا ما أحب.
فمكثت معى عشرين سنة لم أعتب عليها فى شيء إلا مرة واحدة وكنت لها ظالماً، أخذ المؤذن فى الإقامة بعدما صليت ركعتى الفجر، وكنت إمام الحى فإذا بعقرب تدب فأخذت الإناء فأكفأته عليها ثم قلت: يا زينب لا تحركى الإناء حتى آتي.
فلو شهدتنى يا شعبى وقد صليت ورجعت فإذا أنا بالعقرب قد ضربتها. فدعوت بالقسط والملح فجعلت أمغث إصبعها وأقرأ عليها بالحمد والمعوذتين. وكان لنا جار يضرب زوجته، فقلت :
رَأَيْتُ رِجَالًا يَضْرِبُونَ نِسَــاءَهُمْ فَشُلَّتْ يَمِينى حِينَ أَضْرِبُ زَيْنَـــــــــبَا
أأضْرِبُهَا فِى غَيْرِ ذَنْبٍ أَتَـــتْ بِهِ فَمَا العَدْلُ مِنِّى ضَرْبُ مَنْ لَيْسَ مُذْنِبَا
فَزَيْنَبُ شَمْسٌ وَالنِّسَاءُ كَوَاكِب إِذَا طَلَعَتْ لَمْ تُبْدِ مِنْهنَّ كَوْكَـــــــــــــبا
أردت أخى القارئ أن أتخذك رفيقا فى قراءة هذه القصة فلعلك أعجبك ما أعجبنى من هذه الصورة للبيت الذى يقوم على المودة والمحبة والذى حولت فيه الزوجة العاقلة زوجها من خائف متوجس فى الليلة الأولى إلى محب متيم على مر عشرين عام ينشد فى زوجته أشعار الحب والوفاء ويراها شمسًا بين النساء.
أجدادنا الطيبون (وقصة من كتاب العقد الفريد لإبن عبد ربه)
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة