أوضح “زبير كوندوز آلب “فى محاضرته التى ألقاها فى جامعة أنقرة سنة 1950 منهجها وخصائصها:
أستاذية القرأن
فقد كان القرآن الكريم وحده الأستاذ والمرشد للمؤلف دائمًا، فلم يغادره إلى أى كتاب آخر، ولم يتخذ غيره مصدرًا ولم يسترشد دونه مرشدًا، وهذا ما شوهد منه طيلة حياته فى التأليف.إبراز القرآن بصفائه الكامل.
- إن القرآن الكريم هو كتاب الله المقدس، وهو يضم بين دفتيه حقائق جميع العلوم؛ لذا فإن المفسر يجب أن يكون علامة حقًا ومتخصصًا فى كل علم من العلوم سواء اللغوية أو الشرعية أو لعلوم الكونية، وله فكر واسع واطلاع شامل ونظر ثاقب وإخلاص تام، واجتهاد عميق نافذ، وله من العناية الربانية نصيب وافر يستطيع إيضاح تلك الحقائق على نصاعتها ويكشف عن تلك المعانى الواسعة العميقة على حقيقتها، وإلا فستبقى بعض الحقائق مستورة وغير واضحة .وهذا ما نراه فى الرسائل وفى حياة الإمام، فلقد أخذ عن جدارة فائقة بناصية العلوم كافة حتى لقب بـ” بديع الزمان “ إذ وهب ذكاء خارقا وعقلا نيرا وعناية ربانية واضحة فى حياته فضلا عن أنه حرص فى الرسائل إبراز صفاء الحقائق القرآنية فلم تختلط فيها الأهواء لما رزقه الله من الإخلاص التام والمراقبة الشديدة لمداخل النفس؛ لذا لا ترى الرسائل ذات صبغة معينة وإنما صبغتها القرآن والقرآن وحده .
* تجرد المفسر أى أنه لا يبتغى من وراء عمله سوى رضاء الله سبحانه من دون أن يتحول نظره إلى أى غرض كان من الأغراض الدنيوية سواء المادية أو المعنوية لئلا يخالف الآية الكريمة { لَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِى ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) } [ البقرة] فكل ثمن دون مرضاة الله قليل فهذه الحالة من الإخلاص التام الأتم لابد أن تكون ظاهرة واضحة فى واقع حياة المفسر نفسه، ولا شك أن سيرة حياة الإمام نفسها نموذج رائع لهذا الإخلاص .
* مخاطبته الطبقات البشرية كافة ابتداء من العوام وانتهاء بالخواص بأسلوب سهل وشيئق؛ إذ القرآن الكريم لابد أن يتصف بذلك بحيث يمكن أن يستفيد منه أى إنسان أيا كان مستواه وأن يسدّ حاجة أهم مشكلات عصره، وألا يبقى التفسير مقصورًا على فئة معينة دون الآخرين.
واتصاف رسائل النور بهذه الخصيصة هو من أوضح صفاتها، بحيث نرى أنها تخاطب المستويات المختلفة من الناس دون استثناء فالكل يجد فيها بغيته – بلا صعوبة – سواء فى ذلك الصغير أم الكبير والأمى أو العالم ..إلخ .
* الإيجابية فى الإثبات: فالدلائل والبراهين التى يسوقها الإمام فى إثبات حقائق الإيمان، دلائل قوية دامغة بحيث لا يمكن أن تُجرح أو تُفند أبدا؛ ورسائل النور لا يوجد بها مظنة شك واحدة فى أى من دلائلها.
* مخاطبة جميع لطائف الإنسان: فإذا كان القرآن الكريم يخاطب “ العقل والروح والوجدان معًا بحيث يطمئن كلا منها ويغذيها، ويعطيها نصيبها الوافر منه بسهولة بالغة.. كذلك ينبغى أن يكون تفسيره أيضًا بليغًا ونافذًا إلى الأعماق بحيث ينير العقل والقلب والروح والوجدان والنفس وغيره، ويسكب الطمأنينة فى كل منه ويكون قويًا ومؤثرًا إلى درجة بحيث يمسك بزمام النفس الأمارة بالسوء ويسخرها.. بل ويلزم الشيطان إلزامًا . وهذا هو ما يجده قارئ الرسائل من إشباع وارتواء لجميع جنبات النفس والروح والعقل والفطرة والوجدان.. وغيرها من اللطائف الربانية فى الإنسان .
* تقويم السلوك: إن القرآن الكريم قد حول المجتمع العربى إلى مجتمع جديد بصورة متغيرة تمامًا، وأنقذ الإنسان من الأنانية والعجب.. وغيرهما من الصفات التى تحول دون إدراك الحقائق.. ورسّخ بدلا منها الصفات والخصال السامية الحميدة من التواضع والتضحية وغيرها..
* اتباع السنة الشريفة، إن اتباع السنة النبوية لا يكون إلا قولًا وعملًا، وهو الطريق الأقوم للوصول إلى روح المعانى السامية للقرآن الكريم.. وبغيرها لا يمكن الوصول إليها بصواب وسلامة؛ لذلك فإن اتباع السنة الشريفة ضمن مذهب - أهل السنة والجماعة – له الأساس للمفسر الذى يقوم بالتفسير؛ فلا بد أن يكون إذن عاملًا بعلمه وأن يكون عظيم التقوى وعظيم الزهد، وعظيم الإخلاص، وعظيم الثبات فى خدمة الدين.
ولهذا يقول الإمام النورسى عن رسائل النور “ وليست طريقة “ صوفية “ إنما هى حقيقة وهى نور مترشح من الآيات القرآنية فلم تؤخذ من علوم الشرق ولا من فنون الغرب بل هى معجزة معنوية للقرآن الكريم تخص هذا العصر “.
رسائل النور وتصورات الإيمان:
ورسائل النور هى تفسير لمعانى القرآن الحكيم، تعالج القضايا الأساسية فى حياة الفرد إذ تنشئ عنده تصورات إيمانية جديدة، وتهدم التصورات الفاسدة والسلوك الضعيف، فهى تدور حول معانى ( التوحيد ) بدلائل متنوعة ( حقيقة الآخرة ) و( صدق النبوة ) و ( عدالة الشريعة ) إلى آخره من الأمور التى ركز عليها القرآن الكريم، وتبحث أيضًا فى الدعوة إلى الله تعالى، ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، والشوق إلى الآخرة، وقد وصفها الإمام النورسي:“ إن رسائل النور قد حلّت أكثر من مائة من أسرار الدين والشريعة والقرآن الكريم ووضحتها وكشفتها وألجمت أعتى المعاندين الملحدين وأفحمتهم وأثبتت كالشمس ما كان يُظن بعيدًا عن العقل كالحقائق.. المعراج النبوي، والحشر الجسمانى للمعاندين والمتمردين من الفلاسفة والزنادقة حتى أدخلت بعضهم إلى حظيرة الإيمان”.
النورسى ومراحل حياته الثلاث
المرحلة الأولى “ سعيد القديم “
وهى تلك المرحلة التى يطلق فيها سعيد النورسى على نفسه اسم “ سعيد القديم “ وتستمر حتى إقامته الجبرية فى “ بارلا” سنة 1926م
وهذه المرحلة هى حياته السياسية التى عاشها وخاض معتركها فى الزود عن الإسلام من التيار المعادى من خلال مقالاته السياسية فى جريدة “ وولقان” مجاهداته لرجال الاتحاد والترقى لدفعهم إلى الجانب الإسلامي.المرحلة الثانية “ سعيد الجديد “
وهى المرحلة التى يطلق فيها على نفسه اسم “ سعيد الجديد “ وتبدأ هذه المرحلة من بداية حياته فى منفاه فى “ بارلا” 1926م وتستمر هذه المرحلة حتى خروجه من سجن آفيون سنة 1949. وهذه المرحلة الثانية نراه فيها قد ترك السياسية تحت شعاره المعروف “ أعوذ بالله من الشيطان والسياسة” وأخذ على كاهله مسألة “ إنقاذ الإيمان” فى تركيا؛ وذلك بعد أن تأكد من استحالة خدمة الإسلام من معترك السياسة وصراعاتها العقيمة خاصة بعد أن أغلقت المدارس الدينية، وتحولت الجوامع والمساجد إلى مخازن أو اسطبلات أو مراكز للشباب .فتحول النورسى إلى النواحى الإيمانية والقضايا الاعتقادية والإبقاء على شعلة الإيمان متوقدة عالية. وهنا كان تساؤله “هل يمكن خدمة الإسلام بأناس لا يملكون سوى إنصاف الإيمان ؟ وهل يمكن ذلك وبنفوس لم تعرف الإسلام جيدًا ولم تتشرب به ؟. ألا يكون ذلك أكبر تشويه لصورة الإسلام وأكبر أذى يمكن إلحاقه به ؟” أعوذ بالله من الشيطان والسياسة .
المرحلة الثالثة “ سعيد الثالث”
وتبدأ هذه المرحلة التى يطلق فيها سعيد النورسى على نفسه اسم “ سعيد الثالث “ منذ خروجه من سجن مدينة آفيون وحتى وفاته سنة 1960، ونجد هنا أن النورسى زاد على “ سعيد الجديد” نشاطا آخر، وهو قيامه بالتدريس الجماعى لرسائل النور؛ إضافة إلى قيامه بدعوة ونصح السياسيين ورجال الحكم باتباع الإسلام والاسترشاد به، وبيان أن الطريق الصحيح الوحيد هو طريق الإسلام من دون أن يدخل بنفسه إلى ساحة السياسة.. بل بقى أيضًا بعيدًا عنها يصرف كل جهده لتربية النفوس وتقوية الإيمان وتذكير الناس بالله واليوم الأخر.
رسائل النور .. ألجمت الملحدين
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة