بقلم : د. محمد الشوبكى
سعى القرآن الكريم منذ البدايات الأولى إلى ضرورة وضع ميزان صحيح توزن به الأمور، فمقاييس رب البشر تختلف تماما عن موازين البشر.
روى مسلم فى صحيحه أن النبى – صلى الله عليه وسلم- جلس يوما بين أصحابه وقال لهم: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع. قال: المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتى وقد شتم هذا، وسفك دم هذا...".حقا ميزان الأرض غير ميزان السماء، هكذا يرشد معلمُ الأمة النبىُ محمد أصحابَه إلى كيفية وضع الأمور فى نصابها الصحيح، وكيف يزن الناس كل أمور الحياة؟ ومن أين يستمدون القيم التى يزنون بها ويقدرون؟.
هذا التصحيح للمفاهيم المغلوطة فى ذهن الصحابة، عالجه الله – عز وجل – من قبل خلال عتابه لحبيبه المصطفى فى قصة سورة "عبس".
أيهما أولى: الإعراض وجها وجسما عن رجل فقير مسلم، أم التصدى لنفر من قريش لو أسلموا لانزاحت العقبات العنيفة والأشواك الحادة من طريق الدعوة فى مكة؟!!
للوهلة الأولى يظن أى عاقل أن دخول نفر فى الإسلام أولى بل أوجب خاصة عندما يكونون من الصناديد الكبار، ولكن... سورة عبس جاءت لتقرير قيمة جديدة مستمدة مباشرة من السماء والمعترف بها وحدها فى ميزان السماء، فى مناسبة واقعية محددة، وحادث مفرد، ولتقرر المبدأ الأساس وهو: أن الميزان ميزان السماء، والقيمة قيمة السماء.
هذا العتاب من المولى لرسوله فى قصة سورة "عبس"، يحدث والنبى فى مكة والدعوة مطاردة والمسلمون قلة، والتصدى لعظماء المشركين لا ينبعث من مصلحة ذاتية أو أمر دنيوى، والانشغال عن الأعمى الفقير لا ينبعث من اعتبار شخصى. إنما هى الدعوة أولا وأخيرا.
ورغم كل هذه المعطيات يعاتب الله عز وجل رسوله من أجل رجل فقير، لا لنصرة الأعمى عليه، معاذ الله بل لتقرير الحقيقة مهما كانت حتى ولو كان أحد أطرافها الرسول، بل وصل الأمر إلى التعبير بـ "كلا" وهى كلمة ردع وزجر، لم تقل للحبيب المصطفى إلا مرة وحيدة فى القرآن كله.
ومن العجيب أن الرجل لم ير ما فعله الرسول معه، فالسورة وصفته بالأعمى " أن جاءه الأعمى " ليس لتحقير شأنه، بل إنه بسبب عماه سورة "عبس" بل إنه بسبب عماه استحق مزيد الرفق والرأفة؛ لأن مثله يكون سريعا إلى انكسار خاطره.
ابن أم مكتوم.. والقانون السماوى
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة