بقلم المخرج عبد الرحمن سامي
نهضت رحمة مع آذان الفجر، وتحسست بطنها المنتفخ وتذكرت أنها في انتظار ضيف قادم يعلن عن قرب قدومه رغم كونه في الشهر السابع.
فرغت رحمة من صلاتها، ثم توجهت بخطوات متثاقلة لأحد أركان الغرفة الذي اتخذت منه مطبخاً، فكان لزامًا عليها أن تحضر وجبة الإفطار لحماتها ولأخيها ليذهب إلى معهده.بدأت رحمة في إعداد الطعام.. وفجأة شعرت بوخزة شديدة في بطنها مصحوبة بتقلصات وألام في ظهرها وأعلى ساقيها، وشعرت كأن دلوا من المياه قد انسكب من أسفلها فأيقنت أن الضيف يرد أن يشرف.. فما كان منها إلا أن جلست أرضاً تتأوه مستنجدةً بحماتها وأخوها طالبة منهم الإغاثة والعون.. فنهضت حماتها الحاجة سنيه من نومها فزعة وركلت سعد بقدمها تقفز لنجدة أخته وصرخت فيه لحضر أم فرج الداية ولإحضارها في الحال.
أعلنت المولودة ندى عن تشرفها للدنيا بصرخة مدوية وكأنها تنادي بأعلى صوت: لقد جئت إلى الحياة فاعملوا لي حسابا.. كانت بشرة المولودة بيضاء ولكنها شاحبة اللون وهزيلة الجسد ذات ملامح دقيقة وجميلة وتزين رأسها صغير بخصلات من الشعر الأصفر الناعم، وبعد فرغت من صرختها الأولى ابتسمت ابتسامه رقيقة ونادى عليها خالها إسلام قائلاً: يا ندى –ومن هنا كان سميت المولودة ندى.
عانت رحمة في تربية ندى من حيث رضاعتها بشكل طبيعي، وقلقها الدائم على تنفسها الغير منتظم وارتفاع درجة حرارتها الدائم.
كانت تخرج رحمة يوميا للبحث عن عمل يناسبها يكفيها شر السؤال ، وفي إحدى المرات ذهبت إلى إحدى المستشفيات وهي تحمل ندي بين ذراعيها لتسأل فيها عن عمل.. لمحت حافظة نقود ملقاة أسفل الدرج فالتقطها بسرعة ودستها بين طيات لفائف ندى وهمت بالخروج، وهي في طريقها حدثتها نفسها بأن ما تفعله يغضب الله ورسوله، فاستعاذت من الشيطان الرجيم وعادت لتدخل المستشفى فتلفتت يمنا ويسارًا فوجدت رجل يهم بالنزول سيارته الفخمة يبدو على وجهه الصلاح.. توجهت إليه مسرعةً وقصت عليه القصة وأنها تخشى الدخول حتى لا تعرض نفسها للمشاكل، ابتسم الرجل ابتسامة الأب الحنون وسألها ماذا كانت تريد من المستشفى فقصت عليه حكايتها فتبسم الرجل وأغلق باب سيارته وطلب منها أن تتبعه.
ذهب الرجل إلى الداخل ورحمة خلفه ولاحظت أن كل من يعمل بالمستشفى يقدم له التحية بكل احترام، وتوجه الرجل إلى إحدى الغرف وتقدم راجل كان واقفًا أمامها بفتح بابها وأيقنت وقتها أن ذلك الرجل هو مالك المستشفى الذي أمر بتعين رحمة في قسم التنظيف، وتوفير مكان لراحة طفلتها طوال ساعات عملها.
كبرت ندى والتحقت ندى بمدرسة حكومية تهتم بتحفيظ القرآن الكريم.. واعتادت أن تقيم الصلاة ليلاً ونهارا وتراجع ما حفظته من خالها وما درسته في مدرستها في الأوقات التي كان فيها أقرانها يلعبوا بألعابهم.. وهكذا ظلت على هذا الحال إلى أن وصلت إلى سن التاسعة.
لكن !.. هيهات أن يستمر الحال على ما هو عليه.. شعرت ندى بضيق شديد في نفسها وألام حادة في الجهة اليسرى من صدرها.. عرضتها أمها رحمة على أحد أطباء المستشفى الذي طمئنها وقال لها: أن هذا مجرد طارئ بسيط نتيجة ضعفها وسوف يزول بمجرد أن تتغذى بشكل جيد.. وبمرور الأيام زادت الألم في صدر ندى فذهبت بها إلى صاحب المستشفى الذي أمر بإجراء كشوفات وتحاليل مكثفة حتى يتم الكشف عن سبب ألامها.. وللأسف أقر الطبيب بأنها مصابه بثقب كبير في قلبها قد ولدت به وكبر نتيجة الإهمال وضعفها الشديد، وأوصوا بإجراء عمليه سريعة بالمنظار وينتظرون النتيجة.
عادت ندى إلى البيت وهي تظن بأنها قد شفيت لكن ما لبث إن شعرت بألم أشد من السابق وضاق النفس أكثر فعادت بها رحمة مسرعة إلى المستشفى، وأمر الطبيب المعالج بإجراء عملية قلب مفتوح على نفقة المستشفى وبعده تحجز في غرفة العناية الفائقة حتى تشفى تماما.
أجريت العملية ودخلت ندى غرفة العناية الفائقة تجلت إرادة الله في صبرها على تحمل الألآم وأجاعها.. حتى الأطباء استغربوا من سكينتها، ولجعلها تنسى ما تشعر به كانوا يديرون التلفاز لها فتقول: ضعوه على قناة القرآن وحين يسألونها هل تريدين طعامًا فتجيب: بأنها تريد مسبحة لتذكر الله، ومرة سألت الطبيب: متى سأشفى، فأجاب قريبا تشفين بإذن الله وستنامين مرتاحة جداً.
وذات يوم في المستشفى انقطع عنها التنفس وانحبس ما بقي منها داخلها، وفجأةً خرج صوتها وهي تنادي على أمها وجدتها وخالها وأصدقائها وتقول لكل واحد منهم بأنها تحبهم جميعا! وقامت بترديد الآيات القرآنية قائلة: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}.
قصص من الحياة.. قلب ندى
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة