أ.د / عبد الله جاد الكريم
أستاذ اللغة العربية بجامعة جازان
من يقرأ القرآن الكريم يجد أنه يتحدث عن الأمم السابقة وكثير من قصصها وأحوالها وكذلك عن كثير من أحوال حاضرنا، كما يكشف النقاب عن الكثير من أحوال مستقبل الإنسان القريب على الأرض أو البعيد فيما بعد الموت والبعث والحساب والجنة والنار...، وهذه الأحداث الكثيرة التي تتسع لتشمل أزمانًا كثيرة تحتاج للغة ثرية متسعة لتعبر عنها، ولذلك جاءت اللغة العربية لغة للقرآن الكريم لما أودع الله فيها من الأسرار والمقومات والخصائص ما يكفل أن تقوم بهذا الدور المهم الفريد.
ولذلك العربية كغيرها من اللغات ظاهرة اجتماعية تنمو وتتسع تبعًا لاستعمال أهلها لها واهتمامهم بها وعنايتهم بشأنها وتدارسها وتنقيحها وتطويرها، واللغة العربية تحمل في داخلها وسائل ترقيتها وتطويرها وتنمية ثروتها اللفظية وإثرائها، لذلك جاءت العربية متسعة ثرية، يقول الإمام الشافعي :"العربية لا يحيط بها إلا نبيٌّ".
ومن أهم وسائل تنمية الثروة اللفظية العربية ما يأتي بايجاز شديد:
(1) الاشتقاق: اللغة العربية لغة اشتقاقية، تقوم على أبواب الفعل الثلاثيِّ؛ لذلك فإن خزائنها من المفردات يمكن أن تزداد دائمًا، وكل الكلمات المشتقة من أصل ثلاثي معها المعنى الأصلي، بخلاف غيرها من اللغات.(2) التعريب والتوليد: المُعرَّب: هو لفظ استعاره العرب القدامى في عصر الاحتجاج باللغة من أمَّة أخرى، واستعملوه في لسانهم؛ مثل: السندس، الزنجبيل، الإبريق، وما إلى ذلك.والمولَّد: هو لفظ عربيُّ البناء، أُعطي في اللغة الحديثة معنًى مختلفًا عما كان العرب يعرفونه؛ مثل: الجريدة، المجلة، السيارة، الطيارة... إلخ.
والتعريب أحد مظاهر التقاء العربية بغيرها من اللغات على مستوى المفردات،
وتعود قلة الدخيل إلى سببين: انغلاقهم على أنفسهم، واعتدادهم بأنفسهم وبلغتهم، أما بعد الإسلام فقد اتصلت العربية باللغات الأخرى، فانتقلت إليها ألفاظ جديدة، تتعلق كلها بالمحسوسات والماديات
(3) النحت: وهو انتزاع كلمة جديدة من كلمتين أو أكثر، بحيث تدل على معنى ما انتزعت منه؛ كالبسملة من قولنا: (بسم الله الرحمن الرحيم).(4) تلخيص أصوات الطبيعة ومحاكاتها من وسائل زيادة الثروة اللغوية، وفي اللغة العربية ألفاظ كثيرة دالة على أصوات الحيوانات، وضوضاء الأشياء.
(5) انتقال المفردة من المحسوس: وهذا الانتقال أثَّر في الفكر، وبروز الحاجة إلى التعبير عن المعقولات والمجردات؛ من ذلك: (الاقتباس) أصلها المادي قبس من النار، ثم نُقل المعنى إلى الأخذ من العلم والكلام، وهو معنى معنوي.
(6) التفاعل والاقتباس من اللغات الأخرى: تتفاعل اللغات بعضها مع بعض تفاعُلَ الكائنات الحية، تأثيرًا وتأثرًا، لدرجة أن هناك صراعًا يدور بين اللغات من أجل البقاء، وعملية الاقتراض من لغة أخرى تفيد اللغة المقترضة، واللغة العربية حين اتصل أهلها قديمًا بالثقافات المجاورة، واحتكوا بشعوبها، دخلت ألفاظ من لغاتها إلى اللغة العربية، ولو نظرنا إلى القرآن لوجدنا الكثير من الألفاظ المعرَّبة التي أُخذت من لغات أخرى؛ مثل: (القسطاس): الميزان من الرومية، و(الصراط): من اليونانية، و(ياقوت): من الفارسية، و(ملائكة): من الحبشية، و(طوبى): أي: الجنة من الهندية.
وبذلك وغيره تضمن اللغة العربية ثراء لغويًا يبعدها عن شبح الضعف والاندثار والموت كما حدث للغات أخرى كثيرة، ويأتي قبل ذلك كله أن الله تكفل بحفظها عندما تكفل بحفظ القرآن الكريم حيث يقول سبحانه (إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنَّا له لحافظون)(الحجر:9).
وسائل تنمية الثروة اللغوية العربية
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة