أ.د/أحمد عادل عبد المولى أستاذ البلاغة والنقد
الأدبي المساعد، بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
اللغة كائن حيّ، تحيا على ألسنة الناس، ويحيا بها الناس أيضًا؛ إذ إنها وسيلة التواصل بين البشرية جميعًا، ولذلك أشبهت الهواءَ الذي لا غنى للإنسان عنه، ومن هنا يأتي هذا المقال بعنوان "نسمات لغوية"، نسعى فيه جاهدين لتقديم فائدة لغوية في لغتنا العربية.
ولأن اللغة كائن حي؛ فكثيرًا ما نستخدم في حياتنا اليومية تعبيراتٍ وألفاظًا نعتقد أنها منبتّة الصلة عن الفصحى، ولكنها في الحقيقة من أصل فصيح في لغتنا العربية.
وقد تحدثنا في اللقاء السابق عن كلمة (إيوه، وأيوه)، وعرفنا أنها مقتطعة من التركيب القسميّ: (إي والله)، وقلنا إن لهذا التركيب تطورًا آخر حدث في العاميّة السعودية الشقيقة وعندنا نحن أيضًا، وذلك حيث صارت العبارة كلمة واحدة هي: (إلَّا) بمعنى نعم، فحين يسألك أحد مثلا عن شيء ما: هل هو جميل؟ فتجيبه بقولك: (إلَّا جميل)، وقد تكتفي بقولك: (إلَّا) فقط، وهي بالطبع غير (إلَّا) التي للاستثناء، وغير (إلَّا) المكونة من (إن الشرطيّة، ولا النافية) التي وردت في قوله تعالى: "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ"، بل هي تطور من (إي والله) أيضًا، حذفت فيه هنا الياء من كلمة (إي)، وواو القسم، والألف واللام الأولى –وهي ساقطة نطقًا لكونها شمسيّة- والهاء من لفظ الجلالة، وبقيت اللام المشددة، فصارت: (إلَّا).
وهذا التحوّل في الفصحى المستخدم في عاميتنا كما نرى جاء وفقًا لقانونين صوتيين هما قانون البِلى اللفظي، والنحت اللغوي، فبعد أن بليت ألفاظ الكلمة، نُحتت منها ومما بعدها كلمة واحدة، وهذا يؤكد أن أول مقولة ابن جنّي في كتابه الخصائص عن حدّ اللغة: "إنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" موافقة تمامًا للواقع اللغوي، رغم أن اللغة ليست أصواتًا فحسب، ولكن لأن الأصوات هي العنصر الأول الذي يُبنى منه الكلام؛ ولهذا رأينا أن أي خلل فيه سيؤثر بالضرورة في بنية الكلمة، وهو المعروف بالمستوى الصرفي، ومن ثمّ سيؤثر في الجملة، وهو المعروف بالمستوى التركيبيّ، ومن ثم في فهمها، وهو المعروف بالمستوى الدلالي، وهذا إن لم يكن المرء على علم بما حدث للكلمة من تطور لحق بها من خلال كثرة ما لاكتها الألسن المستعملة لها. والله تعالى أعلى وأعلم.
نَسَمَاتٌ لُغَويَّةٌ : كلمة: (إلَّا) في القَسَم
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة