د. شعبان عبد الجيد مدرس الأدب والنقد،
بكلية التربية جامعة مدينة السادات
لم أتردد حين دُعيتُ ، منذ ما يقرب من سنةٍ ، إلى الكتابة في جريدة " الفتح اليوم " ؛ ولم أشغل بالي أيامها بتوجُّهِها ولا بالمؤسسة التي تصدر عنها . قلت لنفسي أنا ( كاتب ) ، وواجبي أن أكون مشغولاً بمشكلات المجتمع ، وقضايا الوطن ، وهموم الأمة ، ومصير الإنسانية ؛ ولا بدَّ أن يكون هذا واضحاً في كل ما أسطره بقلمي أو أَخُطُّه بيميني ، ولن يتأتَّى هذا إلا إذا كنت حراً طليقاً ؛ أكتب ما أريد وأعبر كيف أشاء !
وحين عرضت ذلك على هيئة التحرير ، واشترطتُ ألا يتدخلَ أحد فيما أكتب ، وألا يملي عليَّ أحدٌ الموضوعاتِ التي أكتب فيها أو الطريقةَ التي أعبر بها ، وافقوا على الفور . وكانت إجابتهم : إننا جريدة ثقافية ، تريد أن تصل بالفكرة الإصلاحية المعتدلة إلى جمهور القراء ، بعيداً عن صخب الاختلافات وضجيج التحزب وبلبلة الفتن ؛ ولك مطلق الحرية في أن تتحدث فيما تشاء من قضايا أو تعالج من موضوعات .
قلت لهم أنا متخصص في الأدب وتدريسه ، وسوف يكون للمساحة التي أطل منها على القراء عنوان ثابت ، واقترحت عليهم اسم " فضفضة أدبية " ، وهو ما قد كان . ولم يكن لهم سوى تحفظ واحد ؛ أخبروني به في أدب جم وذوقٍ رفيع : وهو أن أكون معتدلاً ووسطياً ، فالجريدة لا تصدر عن حزب ، ولا تروِّج لجماعة، ولا تدعو إلى فكرة مذهبية بعينها ، وغايتها الكبرى أن يجتمع الناس على كلمة سواء ؛ فهي تجمِّع ولا تفرق ، تؤلف ولا تشتِّت ، تقرِّب ولا تباعد ، وليس من قصدها أن تصطدمَ مع الناس، أو تصدمَهم .
وقالوا لي : إنهم يصدرون جريدتهم بترخيص من الدولة ، وتحت رعاية الحكومة ، وليس من اللائق أن يردوا هذا المعروف بنشر أي شيء يسيءُ إلى الوطن أو يعكر صفوَ أهله ؛ فلما سألتهم عما يقصدون بهذا ؛ قالوا لي : إنهم يفضلون أن ينأى كتاب الجريدة عن القضايا الخلافية ، والعصبيات السياسية ، والنعرات المذهبية ، وأن يكتبوا في كل ما يمكن أن يجمع الناسَ على الحق أو يقربهم منه ، وفي كل ما يجعل الناس يحبون بلدهم ويفخرون بالانتماء إليه .
وكان ما قالوه عقيدةً ثابتةً عندي ؛ فرأيي أن الكاتب الحق هو لسان أمته ، وترجمان شعبه ، وعليه أن يكتب فيما ينفعها ولا يضرها ، وفيما يسمو بفكرها ويعمق وعيها ويوحد صفوفها .
ولا أذكر ، ولا حتى في مرةٍ واحدة ، أن هيئة تحرير الجريدة راجعتني في مقال ، أو طلبت مني أن أغير موضوعاً ، أو حذفت مما أكتبه كلمة ، ولما كتبت في الأدب العالمي والأدب المقارن ، لم يضيقوا ولم يعترضوا ، وكانوا عند كلمتهم : " إن جريدتنا ثقافية متنوعة " .
شكرت لهم هذا ، واستمررت في الكتابة إليهم ، رغم إقبال القراء على الصحافة الورقية بات ضعيفاً ، وأكثر من هذا أن الجريدة لا تهدف إلى الربح ، وهي لذلك لا تسعى إلى نشر ما هو مثيرٌ ومغرٍ ؛ لحساب ما هو أصيلٌ ونافع ؛ ولا تُعنى بدغدغة عواطف القراء وتهييج عصبيتهم ؛ لأنها تؤمن برسالة الكلمة ، وتعرف شرف المهنة ، وتحافظ على الشرط الذي بينها وبين الدولة ، وتفي بالعهد الذي بينها وبين الله !