الفعلان: (خَرْبَشَ) و(خَرْشَمَ)
بقلم أ.د/ أحمد عادل عبد المولى.. أستاذ النقد الأدبي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
اللغة كائن حيّ، تحيا على ألسنة الناس، ويحيا بها الناس أيضًا؛ إذ إنها وسيلة التواصل بين البشرية جميعًا؛ ولذلك أشبهت الهواءَ الذي لا غنى للإنسان عنه؛ ومن هنا تأتي هذه المقالات بعنوان "نسمات لغوية"، نسعى فيها جاهدين لتقديم بعض الفوائد اللغوية في لغتنا العربية.
ونبدأ نسمة اليوم مع الفعل (خَرْبَشَ)، وهو فعل نستعمله في حياتنا اليوميّة، بمعنى: خدش، وقد يظن كثير من الناس أن هذا الفعلَ خاصٌّ بعاميّتنا فحسب، والحقيقة أنه موجود في الفصحى أصلاً، فقد جاء في المعاجم: "خَرْبَش الشيءَ: أفسده".
وقد جاء هذا الفعل متطوَّرًا عن صيغة (فعَّل) من الفعل (خَمَشَ): أي: خَدَشَ، والخُدُوش تسمّى في اللغة أيضًا: (خُمُوشًا)، وقد ورد في الحديث الشريف قول رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-: "من سألَ وله ما يُغنيه جاءت مسألتُه يومَ القيامة خُدُوشًا أو خُمُوشًا أو كُدُوحًا في وجهِه". (رواه الترمذي وصحّحه الألباني).
وصيغة (فَعَّل) من (خَمَش) وهي: (خمَّش)، تطورت إلى (خَرْمَشَ)، كما ذكر أبو منصور الجواليقي (المتوفَّى سنة 539هـ) في كتابه: «تكملة ما تلحن فيه العامة»، وهذا بفعل ما يسمّى عند اللغويين بالمخالفة الصوتية، وهي –كما يقول الدكتور رمضان عبد التواب -رحمه الله- في كتابه التطور اللغوي- تغيير أحد الصوتَيْن المتماثلَيْن في الكلمة إلى صوت آخر، وغالبًا ما يكون من أصوات العلة، أو من الأصوات المتوسطة بين الشدة والرخاوة كاللام، والميم، والنون، والراء.
ثم تطوّر هذا الفعل في نطقنا المعاصر بإبدال الميم باءً مرّة، فصار (خَرْبَشَ)، وبالقلب المكاني مرّة أخرى، فصار (خَرْشَمَ).
وهذا الفعل الثاني (خَرْشَمَ) ورد في الفصحى في بعض المعاجم أيضًا، فقد ورد في المحكم والمحيط الأعظم لابن سِيدة: "وخَرْشَمَ الرجلُ: كَسَّر وَجْهَه". كما أثبته المعجم الوسيط، فقال: "(خَرْشَمَ) الرجلُ: كرَّه وَجْهَه"؛ أي فعل فعلاً يُكرَه فيه وجهُه.
ومن هنا نعلم أن الفعلَيْن (خَرْبَشَ) و(خَرْشَمَ) من أصل فصيح واحد، وهو (خمَّش)، كما أنهما وردا في اللغة الفصحى كذلك، وإن شاعا على ألسنتنا في العاميّة المعاصرة.
نَسَمَاتٌ لُغَوِيَّة
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة