فَضْفَضَةٌ أَدَبيَّةٌ: سر النجاح

منوعات ...
طبوغرافي

د. شعبان عبد الجيد

مدرس الأدب والنقد، بكلية التربية جامعة مدينة السادات

منذ أكثر من مائة وثلاثين عاماً نقل الدكتور يعقوب صرُّوف إلى العربية كتاباً عنوانه ( سر النجاح ) للكاتب الإنجليزي صمويل سميلز ، ذكر في مقدمته أنه لم ينتفع بكتابٍ قدر ما انتفع بهذا الكتاب . وحين صدرت طبعته الرابعة منذ تسعين سنة ، قال عنه الأستاذ مصطفى صادق الرافعي إنه كتابٌ يعلم الضعيف كيف يقوى ، والعاجز كيف يعتمد ، والمضطرب كيف يثبت ، والمحزون كيف يأمل ، واليائس كيف يثق ، والمنهزم في الحياة كيف يقبل ، والساقط كيف ينهض ... وإذا كانت المدارس تخرِّج من الكتب تلاميذ ، فإن هذا الكتاب يخرِّج من التلاميذ رجالاً أقوياء .

يقع هذا الكتاب في ثلاثمائة وثلاثين صفحة من القطع المتوسط ، مقسّمة على ثلاثة عشر فصلاً ، أولها ( في الاعتماد على النفس ) ، وآخرها ( في الأدب واللطف ) ، وبينهما كلامٌ قيِّمٌ ومفيد ، لا يُغني عن قراءته أن نجتزئ لك منه بعض الشواهد ، أو ننقل لك بعض الفقرات

لم يكتفِ المترجم بأنه نقل الكتاب من لغةٍ إلى لغة ، ولكنه تصرف فيه كثيراً ، وأضاف إليه من شواهد العربية وأمثلة تاريخها ما يوشك أن يكون كتاباً آخر ؛

ويذهب المؤلف إلى أن اعتماد الإنسان على نفسه هو أصل كل نجاحٍ حقيقي ، فالمرء يقوى عزمُه ويشتد عودُه باعتماده على نفسه ، ويضعف ويترهل ويذهب نشاطه إذا اتكل على غيره ، أو كما قال الطُّغرائيُّ ،

صاحب لامية العجم :
وإنما رجُلُ الدنيا وواحدُها من لا يُعوِّلُ في الدنيا على رجُلِ !
صحيح أن الإنسان لا يمكنه أن يستغني عن الناس أبداً ، وأنه في حاجة دائماً إلى عونهم ومؤازرتهم ، ولكن يبقى سعيُ الناس واعتمادهم على أنفسهم أقدر على رفع شأنهم من كل العوامل الخارجية .

وفي الكتاب قصصٌ كثيرة لأناسٍ بدءوا من تحت الصفر ، أو فوقه بقليل ، لم يمنعهم الفقر من التطلع إلى ذرى المجد ، ولم تصدهم المصاعب عن نيل ما شمّروا له الذيل .

ومن رأي المؤلف أيضاً أن المرء لا بد أن يتخذ له في الحياة مثلاً أعلى ، أو حتى أمثلة ، فالقدوة ـ كما يقول ـ ( معلمٌ من أقدر المعلمين وهي مدرسة البشر العملية . وتعليم العمل أفعل من تعليم القول.

والكتاب من بعد هذا وعاءٌ مُلِئ علماً وحكمة ، ولا بأس في أن أختم كلامي عنه بهذه العبارات البليغة التي تصدرت بعض فصوله :
•قيمة المملكة تتوقف على قيمة أفرادها .

•من لا يعرِّض نفسه للربح والخسارة فهو جبانٌ أو صُعلوك .

•إذا أراد الله بقومٍ سوءاً أعطاهم الجدل ومنعهم العمل .

•لا مستحيل على القلبِ الشجاع .

•الأرضُ للنشيطين .

•من لا يتعلم صناعةً ولا عملاً فهو حقير .

•إياك واحتقار المالِ فإن المال كالصِّيت .

•لكلِّ إنسانٍ نوعان من العلم : واحدٌ يأخذه عن غيره وآخر يناله بنفسه ؛ والثاني أفضلهما .

• من تُوهِن المصاعبُ عزمه لا يُفلح ، ومن يتغلب عليها ينجح .

•إن ما يرفع البلاد ويقوِّيها ويعظِّمها ويبسط سطوتها المادية والأدبية ويجعلها محترمةً مطاعة ، ويُخضِع تحتها أمماً وممالك ، هو الأدب : آلة الطاعة ، وأساس العظمة ، وتاج الرئاسة ، وعرش السلطة ، وصولجان القوة .

بقي أن أقول إن كتاب ( سر النجاح ) وثيقةٌ تاريخية تُديننا وتشهد ضدنا ، وتفسر لك سر فشلنا وأسباب تخلفنا . وإذا لم تكن تصدقُني فاقرأه إن شئت ـ إذا وجدت منه نسخةً واحدةً في مكتبات إقليمنا العامرة !
ـ أو أعِدْ من فضلك قراءة هذا المقال !!!