القراءة الإبداعية

منوعات
طبوغرافي

بقلم

اللغوى /محمد حجاجمحمد.. حجاج

 

لم تكن مقدمتنا - التي شملتها مقالتنا الأولى في هذه النظرية التاجيّة في إبداع ما بعد الحداثة العربية- بمنأى من أن تولج في طريق الإبداع بما طرحته، فالمداعبات التي عرضتها ليست سوى إشارات فيه؛ إذ كشفت عن شذى الكتابة الفكرية بعامة، والإبداع بخاصة، ومكانه لدى أي إنسان، وطرق تعرُّفه، وتنوعات تواليفه، ومحاولات إثرائه وصقله وصولًا لإحياء العربية ومجابهتها ألدَّاءها المخنثين المتغربين.

لقد خلق إنس المخلوقات بالإبداع، وما خلقه إلا إبداع في إبداع، أتراه من بعد يكون ظلًّا لغيره من الكائنات، أم يبرز لها بشرًا محقوقة فيه تماميّة البشرية، وقد أُبْدِعَ بيديْ بديع الأرض والسموات؟!!

 

وما اصطفاء الرب للإنسان إلا تكليف وتشريف، فَوَرَدَت الثانية بما خُصَّ بعقل ولسان، وتحمَّل بالأولى أمانةً أَبَتْ حملَها الجبال والعمدان، إنه كان ظلوما جهولًا.

فكيف يكون عادلًا وعالمًا؟!

سؤال يملك في طياته أصوات الإجابة، وتمطرها القلوب بمزحة ودعابة، أنْ يا هذا .. جوابك ليس عليلًا، والكيفية تتطلب سبيلًا، والسبيل لاشك في تبيانه إذا عرفت أول مهنة لأبينا في قول خالقه: وعلم ءادم الأسماء كلها، فالعلم خير السبل لا محالة، وقل رب زدني علما، وهو حاصل بالقراءة، فاقرأ باسم ربك، وأحسنُ الأثرِ لكليهما الكتابةُ، ولولا عظائمها ما أُقسم بأقلامها، والقلم وما يسطرون، ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولًا.

 

فالإنسان مذكور ومركوز بين القراءة والكتابة، فإما قارئ بمفاهيم القراءة المختلفة، وإما كاتب بمكاريم الكتابة المستشرفة، وغيرهما فليس داخلًا – بزعمنا – في صرح الإبداع، وهو بهذا أقرب إلى الأنعام، ليس له عندنا وئام ولا سلام.

ألا إن الإبداع بالعربية الفصحى خالد باق، دائر في ملكوت البيان كما تدور السواقي، إذا التزم بأركانها وقواعدها، وشروطها التي تُعَلَّمُ في معاهدها، وإن كان من خروج أو تثوير كما يدَّعي غير واحد من أهل زماننا، فهو التثوير الذي يثريها والخروج الذي يغنيها، لا هذا الغثاء ولا تلك اللقائط المغروبة، التي لا تمت بصلة إلى أرواح العروبة، فما أسوءَ أن تزرع بذرة في بيداء، راغبًا منها أن تجني الحَبَّ والملحاء، وما أعقمَ أن تبغي الولد من خضراء الدمن، وإن هذا إلا كالزَّبدِ الذي لا شك يذهب جفاء.