واحد من أساتذة الأدب العربى واللغة العربية، معروف فى الأوساط الأدبية والجامعية بالأخلاق الطيبة والاستقامة العلمية والإخلاص للثقافة والعكوف على العلم بعيدًا عن الزحام والضوء والثرثرة،
إنه د. محمد الدسوقى أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم،
وأحد الخبراء البارزين بمجمع اللغة العربية بالقاهرة.. اختاره الدكتور طه حسين بعد أن أصبح رئيسًا للمجمع اللغوى سكرتيرًا له، وظل ملازمًا له قبل وفاته بعام، وانتقل الدكتور الدسوقى إلى العمل بالجامعة.
فى حواره مع الفتح اليوم يلقى الضوء على المشكلات التى يعيشها المجتمع المصرى اليوم طارحًا رؤية لمواجهتها بعد طغيان الصراع المادى الذى أفقد الأسرة رسالتها، بعد أن تحكمت الأنانية فى المجتمع
ماذا يحتاج المجتمع المصرى لكى تلتئم الجراح، وتتوحد الصفوف؟
المشكلة فى رأيى أن هناك حالة من العناد المتبادل بين أنصار الصراع فى المجتمع الحالي، وهذا العناد لن يثمر لقاء أو مصالحة، بل إن هناك من يرفض كلمة مصالحة والخوف أن يظل هذا العناد، ولا ينتهى بعد الانتخابات الرئاسية وبالتالى لا أدرى والله ماذا أقول “ليس لها من دون الله كاشفة”، ولكى يلتقيا لابد وأن يتخلى كلاهما عن العناد، ولابد من اللقاء على مبادئ مشتركة يتفاهمون حولها، والمفترض أن يجمعهم شيخ الأزهر باعتباره يمثل الجامعة الإسلامية التى لها تأثير فى العالم كله فهو يجب أن يكون وسيطًا بين الأطراف المختلفة، وقد زاد الطين بلة بعض العلماء الذين يفتون فتاوى لا يقبلها عقل ولا منطق.
- ظهور فيروس كورونا يثير مخاوف البعض من زيارة الأراضى المقدسة.. ما رأى الدين فى ذلك؟
يؤخذ هنا برأى الأطباء الثقات، ومعرفة حقيقة انتشار المرض بالمملكة العربية السعودية من عدمه، وهل السفر إلى هناك يؤدى إلى مزيد من الانتشار، وعندما نزل الطاعون فى مكان على عهد عمر بن الخطاب فقال لقائد الجيش: قف فقال: أتفر من قضاء الله فقال: نعم أفر من قضاء الله إلى قضاء الله؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا كنتم فى بلد ونزل بها الطاعون فلا تخرجوا منها ولا تدخلوا إليها” وهذا من باب الوقاية وهذه أول حالة عزل فى التاريخ، إذا أقول إذا كان الذهاب إلى الحج سيكون سببًا فى مزيد من الانتشار، ومزيد من الإصابات التى تؤدى إلى الطاعون فليس من الضرورى السفر والرأى هنا لعلماء الطب والدين مستحضرين فى أذهانهم الواقع الحقيقى للمرض.. فى مدى انتشاره ومدى انحساره وأسباب ذلك وأبعاده
ـ القدوة أصبحت شبه غائبة فى محيط الأسرة والمدرسة والمجتمع. ما أثر ذلك على النشء؟
الحياة فيها صراعات مادية جعلت الأب والأم يريدان تأمين مستوى المعيشة للأولاد، فالأم تعمل والرجل يعمل وكلاهما يعود مرهقًا من عمله، والابن لا يجد من أبيه فرصة أن يتعايش معه أو أن يخرج معه فى فسحة إلا نادرًا، وكل ذلك يأتى بأثر سلبى فالصراع المادى أدى إلى فقدان الأسرة رسالتها، والمجتمع تحكمت فيه بعض الأنانية بحيث لا تجد شخصًا يحاول أن يساعد الآخرين بإخلاص ولوجه الله. ونحن فى حاجة إلى تطوير التعليم بكل مراحله الابتدائى والإعدادى والثانوى فالحياة عندنا أصبحت فوضى.
ـ الشائعات أصبحت لغة يتحدث بها البعض، ويساهم الإنترنت فى نشرها على نطاق واسع.. كيف نواجهها؟
يقول الله تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [ الحجرات: 6]، فلا تشهد أو تصدق إلا الشمس، يعنى على أن ترى الشىء رؤيا العين، وما أكثر الشائعات، وما أكثر الأهواء، ولو قبلنا ما يشاع سنقع فى دوامة من الأكاذيب والافتراءات والإشاعات قد يكون بعضها صحيحًا وبعضها غير صحيح، وهذه بلوى لأننا لن نستطيع أن نميز بين حق وباطل، أو صدق وكذب، فأى مجتمع تنتشر فيه الشائعات يكون مجتمعًا مريضًا بالكذب والفوضى وهذا يؤثر على استقرار حياته.
ـ هناك من يمنع المرأة من ارتياد صالات الرياضة بعد تكرار حوادث الشرف والزنا.. ما رأيك؟
الدين لا يمنع المرأة فى أن تمارس الرياضة، ولكن يجب أن يكون ذلك فى حدود النساء وليس الرجال، نحن الآن نعيش فوضى أخلاقية وما حدث فى واقعة نادى المحلة هو فى الإطار نفسه، وأعتقد أن المرأة الآن لديها وعى عما كان قبل ذلك لأن العرى كان سمة عامة فى الجامعات، ولكن الآن يوجد قدر كبير من الحشمة فلا مانع من أن تكون ممارسة الرياضة بين النساء، ولا مانع من إنشاء أندية نسائية لهذا الغرض.
ـ قضية الاحترام أصبحت من النوادر فالطالب أصبح لا يوقر أستاذه كما كان فى السابق والأبناء لا يحترمون آباءهم كما كان. ما الذى حدث أدى إلى هذا الانحدار الأخلاقي؟
هذه قضية تربوية خطيرة فالبيت فقد مهمته بصورة منظمة، والمدرسة لا تؤدى المطلوب منها، والمسجد لا يؤدى شيئًا بالمعنى الدقيق، والإعلام أيضًا لا يُساهم فى التربية وأصبح الأولاد يهتمون بالمباريات والتعصب للنوادى، وهذه أمور كلها أدت إلى أن الأولاد فى الصغر أصبحوا لا يجدون الرعاية والإرشاد والتوجيه السليم، وأحيانا ضغوط الحياة يكون لها دور كبير، وحينما تقرأ فى الصحف أن ولدًا قد رمى أمه من الشباك إرضاء لزوجته؛ لأن زوجته لا تريد أن تعيش أمه معهما. هل وصلت القسوة وعدم الرحمة إلى هذا الحد.. والله تعالى قد وصى على الأم أكثر من الأب وظواهر أخرى موجودة فى الاعتداءات والتحرش والقتل والسرقة.
والمجتمع فيه أمراض خطيرة تحتاج إلى جهود علمية وتوجيهية منظمة ونحن نتحدث كثيرًا ولكن لا يثق الكثيرون فيما نقول ويأخذه مأخذ الجد والتطبيق ولا يسمع ولا ينفذ، ونحن فى حاجة إلى وجود عدالة فى المجتمع وبدونها سنظل نخرج من خندق إلى خندق.
ـ بصفتك أستاذ جامعى مرت عليكم أجيال من الطلبة والطالبات. ما الفرق بين جيل اليوم والأجيال التى سبقته؟
الجيل الحالى كأولادى وأولادهم جيل معرض لمشاكل لم نتعرض لها من قبل، وهذا يقتضى أن يكون هناك تخطيط علمى منظم فى التربية والتوجيه حتى يمكن حماية هذا الجيل الصاعد من الانحراف والفساد. وللأسف توجد أماكن موبوءة بالمخدرات يحرسها البلطجية ويذهب إليها الشباب رجالا ونساء، يضيعون فيها المال والصحة والأعراض فلابد من حماية المجتمع من هذا الفساد، وإلا لن يكون هناك تطوير ولا تجديد ولا بناء ولا تعمير، والوضع يحتاج أهل الفكر بلقاءاتهم العلمية من خلال وضع التخطيط العلمى للتربية والصحة والثقافة والفكر بشكل عام.ـ ما الفتاوى الشائعة هذه الأيام؟.. وإلى أى مدى تعكس تفقه الناس فى دينهم؟
أكثر الفتاوى هذه الأيام فى المشاكل الأسرية؛ ولذلك أقدمها فى إذاعة القرآن الكريم ومعظمها مشاكل خطيرة تكاد أن تعصف بحياة الأسرة وأبنائها؛ مما يدل على أن الأسرة المسلمة تحتاج لجهود جبارة لعلاجها؛ ولذلك دور العلماء كبير فى لم شمل الأسرة والقضاء على مشاكلها، والرجوع إلى دورها المهم فى تربية النشء والارتقاء بالمجتمع
ـ فى ندوة لأحد الأحزاب خرج علينا أحد المثقفين ليقول للناس: إن عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس وعمرو بن العاص لصوص. وانتقد القرآن الكريم وقال إنه لا يصلح لأى زمان ثم أكملها بالاستهزاء بعصا موسى ومعجزة الإسراء والمعراج. ما تعليقكم على ذلك؟من يقول ذلك هو رجل جاهل بالدين وإذا كان عالمًا ومدركًا لما يقول قد يأخذ حكم المرتد؛ لأن الذى يحكم على القرآن والصحابة بمثل هذه الأحكام لا يفقه فى الدين شيئًا، ومن صرح بذلك يريد دنيا لا آخرة.. وهناك من يقول هذا الكلام لمجرد حب السمعة وحب تناول كلامه وتصريحاته فى المجتمع.
ـ من خلال تجربتكم فى فتاوى إذاعة القرآن الكريم. هل الفتوى تتغير من شخص لآخر فى الحكم الواحد؟
نعم إذا كان هناك مجال لاختلاف الرأي، لكن هناك أمورًا مجمع عليها، ولا تحتمل خلافًا وهناك أمور لا بد فيها من الفتوى، نحاول أن نلجأ إلى الوقاية التى هى خير من العلاج، ولا يجب أن نطلق فتاوى من باب الدين يسر أو فتاوى المجاملة التى تقصم الظهر وتقضى على الحقوق
ـ كيف تقيم مسيرة الإعلام الدينى كنقاط ضعف وقوة؟
الإعلام الدينى مسيرته سلبية، وإذاعة القرآن الكريم مستمعوها اليوم أقل من ذى قبل.. فالواقع وما فيه من مشاكل ليس لديهم معرفة به وأنا لا أفتى الآن فى بريد الإسلام إلا فى مشكلة تأتى من واقع أو مشكلة حدثت بالفعل.. وهذا هو المفترض لأن الناس تفتى أحيانا بأى كلام لا يصيب داء المجتمع، ويتعرضون لموضوعات لا توجد على أرض الواقع ولابد أن يكون لدينا الفكر الدينى المعتدل لأننا أمة وسط.
ـ رسالة توجهها إلى الأمة؟
اتقوا الله فى دينكم، وفى وطنكم فكل ما يصدر عن الإنسان مسجل، وسوف يأتى يوم القيامة ويأتى كل منا، ويأخذ كتابه بيمينه، ويقال له “اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا”
نعيش فوضى أخلاقية.. ونحتاج فكرًا دينيًا معتدلاً لا يحابى ولا يجامل
الاسم: أ.د/ محمد السيد على الدسوقى
المولد: قرية العريض بلقاس دقهلية 25 أكتوبر عام 1935م
الأسرة والأولاد : أربعة ذكور الأول د. وائل “طبيب وأستاذ مساعد”، والثانى د. طارق “مهندس”، والثالث د. أحمد “مدرس مساعد”، أما الرابع أيمن “مهتم العمل التطوعي”.
اسهاماته العلمية : له مؤلفات منها: “ أيام مع طه حسين”، “طه حسين يتحدث عن أعلام عصره”، “طه حسين فى ذكرى أربعين عامًا على وفاته”، كتاب (منهج البحث فى العلوم الإسلامية).
شارك فى 30 مؤتمرًا بالعالم الإسلامى كله وموضوعاتها كانت تتركز فى القضايا الفقهية والأصولية.
محمد الدسوقى أستاذ الشريعة: من يتطاول على القرآن والصحابة جاهل بالدين يُعامل كالمرتد
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة