الزكاة فريضة غائبة.. والاختلاف سنة كونية
الدكتور عبد الحميد مدكور أستاذ الفلسفة الاسلامية بكلية دار العلوم
وعضو مجمع اللغة العربية من الشخصيات المهمومة بأمراض الباحثين عن علاجها حتى تعود اليها عافيتها من جديد وتكون “ مفخرة “ لأبنائها وليست “ مضحكة “ للأمم .. بعقلية الفيلسوف التى تتصف بالحكمة والواقعية كان لنا معه هذا الحوار حول آهات الحاضر وتطلعات المستقبل فيما يتصل باللغة والنهضة وأدواتها وكيفية واستنهاض الاسد الجريح الذى تتلاعب على ظهره الذئاب يفكرون كيف ينهشونه ويمنعونه من استعادته لقوته لأنهم يدركون ان صحوة المارد ستعيد جميع الفئران الى جحورها.
ـ كثير من العلماء يعتبر أن النشأة فى بيئة ريفية متعة لا يشعر بها إلا من جربها. كيف كانت نشأة الأستاذ الدكتور عبد الحميد مدكور، ومراحله المختلفة مع العلم؟
نشأت كما ينشأ أبناء الريف على حفظ القرآن الكريم، ودرست بالمدارس الإلزامية التى كانت فى القرى قبل النظام الذى أتى فيما بعد، وهو الابتدائى ثم الإعدادى ثم الثانوي، حفظت القرآن الكريم فى وقت مبكر فى العاشرة من عمرى فى كُتاب القرية، ودخلت بعض المسابقات فى القرآن الكريم، وحفظت على يد محفظ من أكبر محفظى مصر وهو الشيخ فرج عبد العاطى رحمه الله، ثم اتجهت إلى الدراسة الدينية إلى معهد القاهرة الابتدائى والثانوى وكان من بين أساتذتى علماء كبار على مستوى الأزهر كله منهم من درَّس لنا فى المرحلة الثانوية وهم حاصلون على الدكتوراه، مثل الدكتور عبد المقصود النجار، والدكتور أحمد الشرباصي، والشيخ على البولاقي.. وهو من أعرف علماء مصر فى المذاهب، والدكتور موسى شاهين لاشين، والذى تقلد فيما بعد منصب وكيل شيخ الأزهر، والدكتور عبد المنعم النمر والذى تقلد فيما بعد منصب وزير الأوقاف، والدكتور محمد خليفة وغيرهم وقد شهدنا مستوى تعليميًا مرتفعًا بهؤلاء الأساتذة، وكانوا يصحبوننا إلى جمعية الشبان المسلمين التى كان يرأسها الدكتور أحمد الشرباصي، وشهدنا فى الجامع الأزهر فترة ازدهار، ثم انتقلنا من الأزهر إلى كلية دار العلوم فشهدنا جبالا من العلم على مدى دراستنا فى الأربع سنوات حيث درس لنا أساتذة هم فى طليعة علماء العالم الإسلامى فى جميع المواد، ويطول المقام لذكرأسمائهم.وما دور الوالدين فى حياة الأستاذ الدكتور عبد الحميد مدكور؟ وما الفرق بين دور الأب والأم والأسرة فى الأربعينيات والآن؟
الأسرة فى طفولتنا كانت تقوم بجهد عظيم فى التربية والخلق، أبى كان رجلًا فلاحًا من فلاحى مصر، وصلته بالعلم محدودة.. وأمى كذلك ولكنهما كان نموذجا لغرس التربية الخلقية والقيم تغرس فى الصغار، أما أسر اليوم فلدينا فيها مشكلات فقد انشغل الأب والأم عن الأولاد بسبب عملهما وعدم قيام المؤسسات العلمية والتعليمية والإعلامية بواجبها؛ ولأن الأولاد لا يجدون من يرعاهم.. وهناك انفتاح كبير بسبب التكنولوجيا والتواصل المعرفى على مستوى العالم قلل دور الأسرة بشكل كبير.ـ من كان قدوة الأستاذ الدكتور عبد الحميد مدكور منذ الصغر؟ وماذا ورث عنه؟
- لن أستطيع أن أذكر اسمًا واحدًا من أساتذتى حتى لا أظلم الكثير، فكلهم أهل فضل وعلم، ولهذا فصاحب الفضل هو كل من وضع لبنة فى بنائى العقلى والفكرى والتوجيهي، مثل الدكتور على سامى النشار، والدكتور محمود قاسم رئيس قسم الفلسفة وعميد كلية دار العلوم سابقا، والدكتور عبد الحليم، والدكتور إبراهيم مدكور والشيخ إبراهيم عبد الرازق.. وغيرهم
ـ كعضو بمجمع اللغة العربية، كيف تقيم الأمة من خلال لغتها؟ وما المطلوب لكى نعود إلى لغتنا الجميلة مرة أخرى؟
مستوى الأمة فى اللغة العربية سيء جدًا لأن الأمة لا تعنى بلغتها ولا تقدم الوسائل التى ترفعها بها، بل تجد من بين أبناء الأمة من يحارب لغتها، وهذا أمر يكاد ينفرد العرب به، فهم أقل أمة تعنى بلغتها وكان من حولنا أمم لغتهم بائدة، لكنهم أحيوها وجعلوها لغة علم وتعليم وحياة وثقافة وفن وإبداع.
ـ هل ضعف الأمة فى اللغة العربية يؤثر فى معدل أعداد الحفطة للقرآن الكريم؟
- حفظ القرآن الكريم يجعل صاحبه ينهض باللغة العربية، فهو خير موجه ومعين للحفاظ على اللغة العربية، ولكن نحن لا نريد أن نعتمد كثيرا على هذه المسألة لأن هناك صراع لغوى حول هذا، فإذا لم نمكن للغة فقد يحفظ الناس القرآن الكريم ولا يهتمون باللغة العربية، ونحن نعلم أن شعوب العالم الإسلامى تحفظ القرآن ولا يعرفون اللغة العربية مثل الهند وباكستان وبنجلاديش، لكننا للأسف كأبناء اللغة العربية لا نمكن اللغة العربية على ألسنتنا، ولا فى وسائل إعلامنا التى تتحدث بلغة عامية حتى بعض نشرات الأخبار تلقى بالعامية، وهذا معناه إبعاد اللغة عن أن تكون لغة علم ولغة ثقافة ولغة حياة ولغة إبداع فنى وأدبى ومسرحي.
ـ تقصير الأمة فى اللغة هل لصعوبتها أم أنها تمثل عائقًا فى تعاملهم مع الغرب؟
عندنا مشكلة يجب أن نعترف بها وهى أن المكتشفات العلمية كلها يتم التعامل بها خارج نطاق اللغة العربية وعدم نهضة العالم العربى والإسلامى تجعله دائمًا فى موضع المتلقي.. لكن الأمة الحصيفة لا تستكين لهذا الأمر، وإنما تضع خطة مرحلية لإحلال لغتها محل اللغات الأجنبية على مستوى التعليم، وعليها أن تبدأ من الآن فى كل المجالات، وإذا قلنا أن اللغة العربية عاجزة فى العلوم المختلفة فإننا نكون قد ظلمناها، حيث يتم سد عجز حصص المواد المختلفة فى المدارس على حساب اللغة العربية، ثم يروج أنها لا تصلح أن تكون لغة علم ثم يعين من يتقن اللغات الأجنبية وتتوارى اللغة العربية وتضعف وتعامل على أنها لغة ثانية أو ثالثة.5ـ ما هو دور الحكومات فى النهوض باللغة العربية ؟
الحكومات عليها واجب الحفاظ على اللغة العربية؛ لأن الحكومات هى التى تشرف على وضع المناهج فى المدارس، وهى التى تشرف على الإعلام وهى من تضع القوانين التى تنظم كل شيء فى المجتمع، ومن بين هذا استعمال اللغة العربية وعندنا قوانين لا تطبق والدستور المصرى ينص على أن لغة التعليم هى اللغة العربية فأين اللغة العربية فى كلية الطب أو الهندسة أو العلوم.. وغيرها
ـ هل تدريس اللغة الإنجليزية كان سببًا فى إقصاء اللغة العربية فى المراحل الأولى للتعليم ؟
يقول التربويون فى العالم كله: يجب أن تحصن اللغة الأم وهى اللغة العربية بالنسبة لنا بحيث لا تنازعها فى عقول التلاميذ أى لغة أخرى حتى الثانية عشر من العمر ثم بعد ذلك علمهم ماتشاء. ولا توجد مجتمعات تعلم أولادها لغات أخرى كما نفعل نحن فى مراحل الحضانة الآن.
ـ ما هو دور المعلم فى عودة اللغة العربية لأحضان الوطن العربي؟
المعلم يحتاج إلى منهج يحبب الناس فى اللغة العربية، ولابد أن تعاد هيكلة المناهج وأنا أعجب كيف يدرس طالب الصف الأول الثانوى الشعر الجاهلى الملئ بالتراكيب الغريبة والكلمات الصحراوية وبيئتنا ليست كذلك مع أن الأدب الجاهلى فيه نصوص سهلة، فلماذا تلجأ المناهج إلى استعمال الصعب والغريب.- ماذا نأخذ من المناسبات الدينية التى تمر علينا متوالية لكى يلتئم المجتمع المصرى خاصة والمجتمع العربى عامة ؟
إذا أخذنا فريضة الحج فالحج فريضة التطهر الدينى والأخلاقى وإعادة الصلة بين المسلم وبين الله وهو فى الوقت نفسه سبيل من سبل إشعار الأمة الإسلامية بأنها أمة واحدة لأن الحج فى مناسكه وشعائره، ويجمع كل المسلمين على صعيد واحد على اختلاف بلادهم ولهجاتهم وأوضاعهم المعيشية والثقافية والصلاة تجمعنا وكذلك الصيام لكن كل فى مكانه، أما الحج فهو يأخذ الناس جميعًا إلى مكان واحد وهنا يجب أن تشعر الأمة أنها أمة واحدة.. وأنها يجب أن تتآذر وأن تتعاون وأن تواجه المخاطر المشتركة التى يتعرض لها العالم الإسلامي، ويجب أن تبنى برامجها ومناهجها وعلاقاتها على هذا الأساس. ولا بد أن نعترف أن الاختلاف سنة كونية لكنه لا يجب أن يكون على الثوابت.
ـ من خلال كتابكم (نظرات فى التصوف الإسلامي) ما هو التصوف الحقيقي؟ وما أصوله ؟
علينا أن نفرق فى الحديث عن التصوف بين أمرين مهمين جدًا أولا: التصوف العلمى وهو التصوف الذى ظهر على ألسنة علمائنا الذين أسسوا هذا التصوف، وهذا التصوف العلمى فيه جانب أخلاقى فى علاقة المسلم بالله، وهو من هذه الزاوية تطبيق لمعايير أخلاقية ثابتة فى القرآن والسنة فعندما تعلم الناس المقامات العلمية فى الدين كالخوف من الله والتوكل والخوف والرجاء كلها ورد فى كتاب الله واهتمت بها الصوفية اهتماما كبيرا وكانت الصوفية القديمة تؤسس بها النفس الإنسانية وبهذا يكون التصوف ذا نزعة إيجابية فى توطيد علاقة المسلم بربه ومن الكتب التى أسست لذلك الرعاية لحقوق الله للمحاسبى قوة القلوب لأبى طالب المكى إحياء علوم الدين للغزالى الرسالة القشيرية.. وغيرها وهذا هو التصوف الذى يجب أن يكون الحديث عنه. ثانيا: التصوف الطُرقى وهذا هو المنتشر الآن للأسف، وهو يحتاج إلى تنقية من عادات متوارثة ليس لها من حيث المظهر علاقة بالتصوف العلمى الموجود عند المسلمين، فإذا ركزنا على التصوف العلمى المبنى على القرآن والسنة سوف يكون حلا لمشكلات كثيرة فى المجتمع المسلم لكن إذا انسقنا وراء التصوف الطُرقى فلك أن ترى موالد وفولكلورا شعبيا وربط الناس بأشخاص بدلا من ربطهم بالله، وبدعا وعلينا أن نكون رفقاء فى التوجيه والتعليم حين نجد البدع لكن بشرط أن يوضع المنهج العلمى فى برامج الطرق الصوفية.
مصر ستظل كبيرة .. وأدعو الله أن يجنبها الفتن والخلاف
الاسم: عبدالحميد عبدالمنعم مدكور
المولد : عام 1942م ببلدة باسوس مركز القناطر الخيرية محافظة القليوبية
العمل: أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة وعضو بمجمع اللغة العربية وعضو بلجنة الفلسفة والأديان فى مكتبة الإسكندرية
أناشد الأزهر التدخل لحل المشكلات الشرعية لمسلمى الغرب
الدكتور عبدالحميد مدكور: تتلمذت على يد الشيخ الغزالى فى الأزهر ..والإنترنت زلزل كيان الجيل الجديد
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة