أربعون عاماً قضاها الشيخ حمدي الزامل تاليا لآيات الذكر الحكيم ،واستطاع بجدارة أن يحصل على لقب كروان الدقهلية ثم كان القارئ المفضل لجموع المصريين من شمالها لجنوبها ..عشقه الآلاف من السميعة، فصوته كان رخيماً خاشعاً ..عندما ييتلو تهتز المشاعر وتوقظ القلوب وكان ينتقل من مقام إلى آخر ببراعة شديدة وكان يقرأ الصعب قبل السهل لتمكنه من الحفظ والتجويد كل هذه القدرات أهلته لكي يكون في الصدارة مع عظماء القراء بمصر والعالم الإسلامي ..الفتح اليوم حرصت علي أن تحاور أحد أبناءه الذي أخذ علي عاتقه حفظ تراث والده فإلي نص الحوار:
ـ في البداية نود التعرف على نجل الشيخ حمدي الزامل .
رضا حمدي محمود الزامل نجل المرحوم الشيخ حمدي الزامل.. حاصل على بكالوريوس تجارة من جامعة المنصورة أخ لأربعة من أبناء محمود ونهلة وميرفت ورفعت وأنا بحمد الله مهتم جدا بالحفاظ على تراث الشيخ حمدي الزامل وأحاول تقليده من خلال حفظي لقدر من القرآن الكريم وأحاول مع أخوتي أن نخلد ذكراه وهو أقل واجب علينا لأنه استحق أن يسكن قلب الملايين ومن قبلهم قد سكن قلوبنا ورغم وفاته إلا أننا لا زلنا نعيش في أنواره وبركاته التي أخذها من إتقانه لتلاوة القرآن الكريم.ـ كيف ظهرت موهبة الشيخ الراحل وعرف لدى أهل القرية؟
كان يقلد تلاوات الكبارمن القراء فظهر جمال صوته مبكرا وقوته ومساحات صوته التي أهلته لأن يكون قارئا له وزنه وثقله بين القراء.ـ من كان قدوته في بداية رحلته مع القرآن؟
تعلق قلبه الصغير في بداية حياته بكبار القراء الذين أحب أن يكون مثلهم وهم الرعيل الأول للإذاعة كالشيخ مصطفى اسماعيل والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي والشيخ عبدالعظيم زاهر والشيخ والشيخ أبوالعينين شعيشع فراح يستمع إليهم ويقلدهم واحدا تلو الآخر بقدرة عجيبة وفريدةـ كيف كانت مسيرة التعليم في حياة الراحل؟
أشار أحد أقارب والده عليه بأن يرسل ابنه حمدي إلى الزقازيق ليلتحق بالمعهد الأزهري ولم يتردد الوالد في قبول هذه النصيحة فألحق ابنه بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري فاستقبله شيخ المعهد بحفاوة وطلب منه أن يتلو عليه آيات من القرآن الكريم ليتعرف على مدى حفظه فاكتشف أنه صييت صغير ،وتدخل شيخه عوف بحبح لدى والده وأشار عليه بتفرغ الشيخ حمدي لتجويد القرآن الكريم في هذه المرحلة حتى ينطلق كقارئ ما دامت الموهبة موجودة والإمكانات تفوق سنه فوافق والده ليتجه ولده حمدي لدراسة التجويد وعلوم التلاوة.ـ كيف تدرج الشيخ في شهرته وانتشاره مع بلوغه سن الشباب؟
لما بلغ الشيخ حمدي الزامل سن الثانية عشر من عمره انهالت عليه الدعوات من القرى المجاورة ثم من المراكز الأخرى وفي هذه السن شهد له الشيخ توفيق عبد العزيز وهو والد الإذاعية الكبيرة فضيلة توفيق ومن سن الخامسة عشر عام 1944م وحتى وفاته عام 1982مـ ماعلاقة الشيخ الراحل مع المشاهير؟
كان للشيخ حمدي الزامل عشاقه الكثر من المشاهير في جميع المجالات في مصر والعالم العربي له مواقف كثيرة مع كبار الشخصيات الدينية والسياسية والفنية منهم الرئيس جمال عبد الناصر الذي أثنى على صوته وأدائه عندما كان يقرأ أمامه في احتفالات الدولة المصرية وكذلك سيدة الغناء العربي أم كلثوم التي انبهرت بأداءه وأهدته عقدها الذهبي كتعبير عن شدة إعجابها وفخرها بالشيخ حمدي الزامل كونه ابن مدينتها المنصورة.ـ كانت هناك علاقته بكبار القراء ؟
لم يستمع قارئ من قراء الإذاعة إلى صوت الشيخ حمدي الزامل إلا وتعلق به صوتا وشخصية وكانت بداية معرفة الشيخ مصطفى اسماعيل بالشيخ حمدي الزامل عام 1966م عندما كان يقرأ الشيخ حمدي الزامل في مناسبة بقرية شها مركز المنصورة وكان الشيخ مصطفى اسماعيل في طريقه لمدينة المنزلة ليقرأ هو الآخر في مناسبة هناك فسمع صوت شجي فنظر للسائق وقال له: انتظر لحظة وسمع الشيخ حمدي الزامل فأعجب بصوته وأداءه الراقي ، وأما المبتهل والقارئ الإذاعي الشيخ أحمد أبو زيد قال عنه: الشيخ حمدي الزامل أسطورة لن ينساه محبوه وعشاق فن أداءه أبدا أما الشيخ عبدالباسط عبدالصمد فقد كان مدعو لإحياء مناسبة بالمنصورة ودخل بين آلاف الناس الذين حضروا فوجد الشيخ حمدي الزامل يقرأ فأعجب بتمكنه ونغمه الأصيل في التلاوة فقال: أهل القرآن في وجود الشيخ حمدي لا يقرأ أحد لأنه يقدم كل فنون التلاوة وبعد أن ختم الشيخ حمدي تعانقا وجلسا معا ثم قرأ الشيخ عبد الباسط ربع ساعة فقط ثم يقدم الشيخ حمدي قائلا: اقرأ يا شيخ حمدي لأنني في اشتياق إلى سماعك لما سمعته عنك من الشيخ مصطفى اسماعيل.
ـ كيف التحق الشيخ حمدي الزامل بالإذاعة ؟
طلب منه أحبابه الكثر في جميع محافظات مصر أن يلتحق بالإذاعة لكنه كان منشغلا بإنشاء مدرسته المتفردة في التلاوة لكن الإلحاح استمر من الجميع حتى تدخل بعض الموظفين بالإذاعة ليقنعوه بأن يلتحق بالإذاعة فتقدم واجتاز الاختبار الأول بامتياز عام 1967م ثم اعتمده التليفزيون في نفس العام وهذه واقعة قلما تحدث أن يجاز القارئ من الجهتين ،وقرأ في جميع المحافل الإذاعية فمن الفجر إلى الجمعة ومن الأمسيات إلى التسجيلات وفي معظم مساجد مصر من الحسين إلى الأزهر إلى السيدة نفيسة وأشهر مساجد مصر وكان يتلو قرآن الفجر مرة كل عشرين يوما على الهواء مباشرة وصار من معالم شهر رمضان الإذاعية بتلاوته في صلاة الفجر ولم يتكاسل مرة واحدة عن تلاوات الإذاعة فضلا عن الدعوات الخاصة التي كانت كثيرة وغزيرة في جميع أنحاء المعمورة.ـ لماذا لم يسافر الشيخ حمدي الزامل للخارج كسفير للقرآن؟
كان قلبه متعلقا بمصر وأهلها وكان عاشقا لتراب مصر ولم يشأ أن يتركها وأهلها حتى في شهر رمضان ولم يترك مصر إلا لأداء فريضة الحج بالمملكة العربية السعودية.ـ كيف تصف مدرسة الشيخ حمدي الزامل..وهل له تلامذة؟
يعتبر الشيخ حمدي الزامل صاحب مدرسة فريدة متميزة فكان له لون مقبول لدى ملايين المستمعين والمهتمين بمتابعة قراء ومشاهير القرآن الكريم فاستحق أن يكون صاحب مدرسة التحق بها كثير من القراء الذين تأثروا به من حيث طريقة الأداء نقلا عنه وأشهر هؤلاء القراء القارئ الإذاعي فضيلة الشيخ محمد عبدالوهاب الطنطاوي والشيخ محمد السيد ضيف ومنهم أيضا فضيلة الشيخ شكري البرعي وغيرهم.
ـ ما هو التراث الذي تركه الشيخ حمدي الزامل رحمه الله للأمة الإسلامية؟
ترك ثروة كبيرة من تلاوات القرآن الخالدة بصوته الذي يسري إلى القلوب تقدر تلك التلاوات بسبعة آلاف ساعة مسجلة عبر الإذاعة والتليفزيون المصري والمناسبات المختلفة وللأسف لم يجمع منها سوى سبعمائة ساعة فقط ، ومن الأحباب الذين جمعوا تراثه الحاج طلعت البسيوني وكذلك الأستاذ عادل أبو المعاطي من قرية محلة دمنة وقد طاف محبوه مصر شرقا وغربا للحصول على تلك التلاوات.ـ لماذا أهديت تراث والدك لقناة الفتح للقرآن الكريم؟
أهديت تراث والدي لقناة الفتح للقرآن الكريم إيمانا منا برسالة القناة وأخلاق صاحب الفضيلة فرسالة قناة الفتح رسالة قرآنية تهتم بالقراء والمستمعين معا وبالمعلمين والمتعلمين معا وهكذا فكلنا ثقة في هذه القناة المباركة وكذلك صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض.ـ ماذا عن بعض الإضاءات الأخرى في حياة الشيخ حمدي الزامل؟
من أهم الإضاءات في حياته أنه كان يحب الفقراء ويحب مجالستهم ،وكان سريع الإنفاق يبادر مسرعا إلى جيبه ليكون في عونهم عونا ماديا دائم بل كان لا يتقاضى أجرا في مناسباتهم بل كان ينفق عليها من ماله الخاص لذلك استحق أن يتسلل إلى قلوب الفقراء قبل الأغنياء ،و كان حبيب الجميع.
ـ كيف كانت أيامه الأخيرة؟
عاش الشيخ حمدي الزامل عشرين عاما يصارع مرض السكر اللعين لكنه كان شديد المحافظة على نفسه إلى أن جاءته غيبوبة السكر بقوة ليحمل الشيخ إلى مستشفى المقاولون العرب بالقاهرة لمدة أسبوع تدهورت فيه حالته الصحية حتى ودع الحياة يوم 12 مايو عام 1982م ولم يصدق جمهوره الكبير أن الصوت الرباني قد سكت والجسد سيواريه الثرى فتجمع الآلاف حول منزله لوداعه وامتد طوفان الشر في جنازة مهيبة ليودع القارئ المحبوب وقد تقدم المشيعين ثلاثة من المحافظين محافظ الدقهلية ومعه محافظ دمياط ومحافظ الغربية ومديروا الأمن في عدة محافظات وقد انتدبت قوة من الأمن المركزي لتنظيم الجنازة لما فيها من أمواج جماهيرية هائلة ثم أقيم له سرادق مهيب قرأ فيه كبار قراء مصر والعالم منهم فضيلة الشيخ نصر الدين طوبار الذي كان يقدم القراء بنفسه كما كان يحب أن يقدم الشيخ حمدي الزامل حينما يلتقي معه في المناسبات وكذلك الشيخ محمود علي البنا صديقه المقرب الذي كان يقدمه على نفسه قائلا: إن الشيخ حمدي الزامل قارئ ومتفوق ومؤدب مع القرآن والقراء.
حمدي الزامل: ترك 7 آلاف ساعة تراث .. وودّعه الآلاف في جنازة مهيبة
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة