يثبت القلوب على الطاعة ويؤمن النفوس من المخاوف وقت الشدائد
دعا العلماء جموع المسلمين إلى التوكل على الله وحده تطبيقا لقول الله تعالى ''ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه''، مؤكدين أن التوكل على الله وحده واحدة من أعظم العبادات القلبية، التي تضمن للفرد استقرارا نفسيا يقوي العزائم ويطرد المخاوف ويورث القلب قوة وثباتا وقدرة على مواجهة الشدائد.
يؤكد د. أحمد عمر هاشم من علماء الأزهر أن التوكل هو الثقة في الله تعالى، والرضا عنه، والاعتصام به، والتعلق الدائم به في كل حال، والتسليم لأمره وقضائه.
وأضاف: أن للتوكل منزلة عظيمة لا يبلغها إلا المخلصون الصادقون، وقد أمر الله به في مواضع عديدة، وأثنى على المتوكلين عليه وحده دون سواه، حيث قال تعالى ''فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين'' والقرآن الكريم بيّن أن التوكل من صفات رسل الله جميعا، وأمر الله تعالى به نبينا، فقال ''وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا''.
وروى عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: جعل رسول الله يتلو علي هذه الآية ''ومن يتق الله يجعل له مخرجا'' حتى فرغ من الآية، ثم قال ''يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم''.
ولفت إلى أن الله عز وجل جعل التوكل صفة من صفات المؤمنين، كما في قوله سبحانه ''إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون''.
وأردف أن ربنا تبارك وتعالى أمرنا بأن نتوكل عليه في جميع شؤون حياتنا، فقال جل وعلا ''وعلى الله فليتوكل المؤمنون''.
وأشار إلى أن النبي بيّن فضل التوكل ومنزلته في أحاديث كثيرة، منها عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله ''صلى الله عليه وسلم'' قال ''يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب''. قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون''.وبين النبي ''صلى الله عليه وسلم'' حقيقة التوكل وأنها لا تنافي الأخذ بالأسباب، فقال ''لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا''.
وأوضح أن العلماء قالوا إن ليس في هذا الحديث دلالة على القعود عن الكسب، بل فيه ما يدل على طلب الرزق، لأن الطير إذا غدت فإنما تغدو لطلب الرزق، وإنما أراد: لو توكلوا على الله تعالى في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم، ورأوا أن الخير بيده ومن عنده لم ينصرفوا إلا سالمين غانمين كالطير تغدو خماصا، وتروح بطانا، لكنهم يعتمدون على قوتهم وجلدهم ويغشون ويكذبون، ولا ينصحون، وهذا خلاف التوكل.
وقال إن رسول الله ''صلى الله عليه وسلم'' أمر صاحب الناقة أن يأخذ بالأسباب فيربطها ولا يتركها فتضيع منه وهو يحسب أنه متوكل.
ويري سالم عبد الجليل من علماء الأزهر أن التوكل على الله يثبت القلوب على طاعة الله تعالى، ويؤمن النفوس من المخاوف وقت المحن والشدائد، وعن ابن عباس ''رضي الله عنهما'' في تفسير قول الله تعالى ''حسبنا الله ونعم الوكيل''، قال: قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي فى النار، وقالها محمد ''صلى الله عليه وسلم'' حين قالوا ''إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل''.وأضاف: لذلك علمنا رسولنا الكريم التوكل في الأمور كلها وكان القدوة والمثل في كل أموره. فكان كثيرا ما يقول ''اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت''.
وشرح أن التوكل نوعان: توكل في حصول ما يحبه الله ويرضاه من الإيمان واليقين والصلاة والصيام والحج وغير ذلك، وتوكل في جلب حوائج العبد الدنيوية أو دفع مكروهاته، فاعمل واجتهد، وخذ بالأسباب فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله.
وأوضح أن التوكل على الله تعالى يعني الأخذ بالأسباب مع الثقة بالله تعالى، فعن إبراهيم النخعي قال: كان ناس يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نتوكل على الله وهو رازقنا، فنزلت ''وتزودوا فإن خير الزاد التقوى''
وحول الأسباب التي تستجلب بها الأرزاق يقول الدكتور عبد الفتاح عاشور أستاذ التفسير بجامعة الأزهر: من بين هذه الأسباب التوكل على الله تعالى لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً»، والاستقامة على شرع الله عز وجل قال تعالى: (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا)، «سورة الجن الآية 16»، وقوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب)، «سورة الطلاق الآيتان 2-3»، وقوله تعالى: (ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)، «سورة الأعراف الآية 96»، والمتابعة بين الحج والعمرة قال صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب».
ونبه إلى أهمية أن يسعى المسلم في طلب الرزق ولا يتكاسل ولا ييأس من رحمة الله في طلب الرزق حتى يرزقه الله تعالى من حيث لا يعلم.
"التوكل على الله" يمنح المؤمن راحة نفسية فى مواجهة المحن
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة