كلمة العدد- البركة فى البكور

كلمة العدد
طبوغرافي

 

ياسر على نور

المدير التنفيذى لقناة الفتح الفضائية

yassernour

عندما يستيقظ الواحد منا قبل طلوع الشمس ويفتح نافذته ويملأ رئتيه من الهواء الرطب الندي.. يقول وهو يمدّ ذراعيه جانبًا: سبحان الله! هذا الهواء العليل لا يختلف كثيرًا عن هواء البحر، فكم ضيعنا من أنفاس عميقة، وحرمنا أنفسنا من الاستمتاع بهذه الإشراقة الجميلة كل يوم.

إنّ مَن سافر إلى دول النمور الآسيوية وكذا الأوربية يعرف جيدًا أن وقت العمل عندهم يبدأ من بعد صلاة الفجر مباشرة.. ونحن نستيقظ بعد طلوع الشمس وأحيانا الظهر نجد أنفسنا كسالى وعندنا خمول يكفى أن يوزع على دولة كاملة.. وهذا ما دعا الإمام محمد عبده عندما ذهب لمؤتمر باريس عام 1881 ثم عاد فقال: ذهبتُ للغرب فوجدت إسلامًا ولم أجد مسلمين، ولمّا عدتُ للشرق وجدت مسلمين ولم أجد إسلامًا.

إن تعاليم النبى الكريم تحتم على المسلم النهوض من الفراش فجرًا، فيبدأ يومه بين يدي خالقه ومولاه، ثم يتوجه إلى عمله فيصل فى الموعد أو قبله فيخطط ليومه فينجز أعمالاً كثيرة لم يكن بوسعه القيام بها من قبل.. وطوال اليوم تجده مبتسمًا بشوشًا يقابل الناس بوجه طليق.. ووجه يشعّ منه النور والبشر والأمل، علاوة على أن التوفيق يكون حليفه يتغلب على الصعوبات والعقبات التى تواجهه بيسر وسهولة أفضل من الأيام التى كانت قبله.

أمّا الآخر الذى تطلع عليه الشمس وهو مازال فى فراشه، فقل ولا حرج.. يبقى عابس الوجه تلازمه الكآبة والتكشيرة طوال اليوم فأنّى له التوفيق والنجاح؟ بل وتغلق فى وجهه الأبواب المفتوحة ومنها أبواب الرزق.. كما يشعر بالكسل ويقوم من نومه متعبًا مفكك الأوصال وكأنه (واخد علقة سخنة) ولكن.. لم كل هذه السلبيات؟ وهل أذنبت؟ ويجيب سيد البشر بقوله: "يعقد الشيطان على قافية رأْس أحدكم ثلاث عقد إذا هو نام، كل عقدة يضرب عليه، يقول: عليك ليل طويل، فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة، وإن توضأ انحلَّت عقدتان، فإذا صلَّى انحلت العقد، فأصبح نشيطًا طيِّب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".

إن المستيقظ فى البكور يحتاج أن يخلد إلى نومه مبكرًا كذلك.. مما يجعل نومه أكثر عمقًا وراحة، بل ويمكن جسمه من إفراز هرمون السعادة (الميلاتونين) الذي يجود به الجسم أثناء النوم العميق.. فهذه بركة أخرى ومزايا عديدة وجهنا إليها المربِّي الكريم وهو يبشر الناس جميعًا: "بورك لأمتى فى بكورها".. إنه ربيع اليوم وشبابه، فالكيس من اغتنمه، والعاجز من ضيعه.