ياسر على نور
المدير التنفيذى لمؤسسة الفتح الفضائية
عندما يهل موسم الامتحانات ويكون هناك واحد من أفراد الأسرة فى إحدى مراحل التعليم، فإن الأسرة كلها تكون فى أعلى درجات الاستعداد، ويتم إعلان حالة التقشف، وتؤجل جميع مظاهر الرفاهية.. والدور يأتى على الطالب نفسه الذى يبدو مصفر الوجه ولا يتناول الطعام إلا بإلحاح خوفًا ورعبًا من الامتحان.. قائلا: هذا الامتحان هو الذى سيحدد مستقبلى فكيف لى أن أكسل أو أنام؟ويأتى موعد الامتحان، ويدخل الطالب لجنته باحثًا عن مقعده.. يرتجف وتسقط منه أقلامه من هول الموقف..
وأثناء الامتحان نسمع كلمات كثيرة من الطلاب ومن أولياء الأمور خارج اللجان؛ كترديدهم لقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}. أو يهمس مسئول فى أذن المراقب بأنه لابد من تحسين نتيجة المدرسة أمام الإدارة. مما يدفع المراقبين إلى التغافل عن غش الطلاب من مذكراتهم الخاصة أو من بعضهم البعض أو تُملى عليهم الإجابات..هذا ما يحدث فى امتحانات الطلاب.. وللأسف يتكرر كل عام رغم ما يقال عن محاربة الغش وتشديد اللجان ولجان مراقبة على المراقبين، ولكن لم يغير من الواقع الأليم شيئًا يذكر.
والحل ليس سوى غرس وازع المراقبة فى داخل الطالب، وإيقاظ الضمير الغائب لدى المراقبين، وإدراك أولياء الأمور أن مصلحة أبنائهم الحالية والمستقبلية تكمن فى اعتمادهم على أنفسهم، والإحساس بالمسئولية ومراقبة الله فى السر والعلن.. فعلاً.. لو استشعر أنه سيقف أمام الله وسيجد ما عمله حاضرًا يشاهده كما يشاهد أحدنا التليفزيون.. لو أنه أحس بهذا المعنى لكان عليه أن يعمل الكثير لهذا اليوم، ولما حدثته نفسه بالغش أبدًا.
وهذا سهل التسترى يحكى عن خاله محمد بن سوار حينما لفت انتباهه إلى مراقبة الله وهو ابن ثلاث سنين، فقال له: ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقال سهل: كيف أذكره؟ فقال: قل بقلبك عند تقلبك بثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك: "الله معي، الله ناظري، الله شاهدي ". ثم طلب منه أن يزيد فى العدد حتى وصل إلى إحدى عشرة مرة، فقال سهل: فوقع في قلبي حلاوته، فلما كان بعد سنة، قال له خاله: احفظ ما علمتك، ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة. قال سهل: فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لذلك حلاوة في سري، ثم قال له خاله: يا سهل من كان الله معه وناظرا إليه وشاهده، أيعصيه؟ إياك والمعصية.. قال سهل: فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين.
فهذا مثال ناجح لطالب صغير راقب الله فى سره وإعلانه فرزقه الله حسن الفهم والحفظ، وأصبح واحدًا من علماء التابعين.. وجهز نفسه للمناقشة يوم الامتحان الأكبر، والذى ربما يبدأ بعد قليل..
الامتحان الأكبر
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة