تشهد العاصمة الإماراتية أبو ظبي غدًا الإثنين وبعد غدِ، مؤتمر «التجمع العربي من أجل الأخوة الإنسانية» والذي أطلقه مجلس حكماء المسلمين، في مناسبة مرور عام على توقيع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وقداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية بابا الفاتيكان البابا فرنسيس لوثيقة الأخوة الإنسانية خلال الزيارة التي قاما كليهما إلى الإمارات، وهي الزيارة الأولى لفرنسيس.
وانعقد نهاية الشهر الماضي، مؤتمرًا صحفيًا في مقر المجلس بأبو ظبي تحدث فيه كل من أمين عام المجلس الدكتور سلطان الرميثي، وأمين عام اللجنة العليا لتحقيق أهداف وثيقة الأخوة الإنسانية المستشار محمد عبدالسلام.
ويقول الرميثي إن مجلس حكماء المسلمين شريك أساسي في صناعة الأخوة الإنسانية، ولذا يحرص على التعاون مع الجميع لتحقيق مبادئ الوثيقة، التي وجهت دعوة إلى عدة أطراف - في مقدمتهم الإعلاميون - للعمل من أجل إرساء السلام والعدل.
ويهدف التجمع العربي من أجل الأخوة الإنسانية - حسب الرميثي - إلى توفير مساحة مشتركة للإعلاميين للاتفاق على رؤية إعلامية موحدة تجاه القضايا الإنسانية.
ويرى عبدالسلام إن الإعلام أداة مهمة في تشكيل الرأي العام والوعي الجماهيري، وهو ما أدركه جيدًا شيخ الأزهر والبابا فرنسيس عندما صاغا الوثيقة، موضحًا أن التجمع سيضم أبرز الإعلاميين من مختلف البلدان العربية، ليصل العدد لقرابة 200 من أبرز الإعلاميين.
وأعلن عبدالسلام عن مبادرات ومشاريع بدأ العمل فيها بهدف تطبيق مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية على أرض الواقع.
ويقول السكرتير الشخصي للبابا فرانسيس الأب الدكتور يوأنس لحظي جيد في تصريحات سابقة لـ«الشروق»، إن عمل اللجنة يتمثل فى تحويل المبادئ العليا والسامية الداعية إلى السلام إلى أفعال ملموسة وإلى قرارات شجاعة وإلى قوانين، ومناهج تعليمية وفكرية تؤكد أن الجميع أخوة في الإنسانية، يتمتعون بنفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات.
ويضيف، أن اللجنة تحظى بالدعم الكامل من قداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، وشُكلت تخليدًا للحدث التاريخي الذي تم على أرض الإمارات الطيبة الكريمة، وبين شخصيتين يكن لهما الجميع كل الاحترام والمحبة والتقدير، قائلا: “إن اللجنة تضم شخصيات مجتهدة في مجال التقارب والحوار والتعاون، وأشخاص يشعرون بهول المسؤولية التاريخية التي سيحاسبهم الله والأجيال القادمة عليها”.
ووقع كل من شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان وثيقة الأخوة الإنسانية في 4 فبراير 2019، وهي تشكل الوثيقة الأهم في تاريخ العلاقة بين الأزهر والفاتيكان، وفي العلاقة بين الإسلام والمسيحية.
والوثيقة استغرقت جهدًا وحوارًا مشتركًا استمر عام ونصف بين الإمام والبابا، وهي تمثل خلاصة رؤيتهما لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين أتباع الأديان، والمكانة والدور الذي ينبغي للأديان أن تقوم به في العالم المعاصر.
واحتضنت الإمارات من 3 إلى 5 فبراير 2019، زيارة «الطيب» و«فرنسيس»، بحضور قرابة 700 إعلامي، وهي الزيارة الأولى لأحد باباوات الفاتيكان إلى شبه الجزيرة العربية.
وعكست الزيارة مكانة الأزهر وإمامه كأكبر مرجعية دينية في العالم الإسلامي، والمؤسسة الأكثر تعبيرًا عن سماحة الإسلام ووسطيته واعتداله.
وأعلن ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في 19 أغسطس الماضي، تشكيل اللجنة العليا لتحقيق أهداف وثيقة الأخوة الإنسانية، لبلورة المبادرات والأفكار الداعية إلى التسامح والعيش والمشترك وتنفيذها.
ويبلغ عدد أعضاء اللجنة 9 أشخاص، هم: «رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان المطران ميغيل أنجيل أيوسو غيكسوت رئيسًَا للجنة لمدة عام، ثم يخلفه رئيس جامعة الأزهر الدكتور محمد المحرصاوي، والسكرتير الشخصي للبابا فرانسيس الأب الدكتور يوأنس لحظي جيد، والمستشار السابق لشيخ الأزهر القاضي محمد عبدالسلام أمينًا ومقررًا عامًا للجنة، ورئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي محمد خليفة المبارك، والأمين العام لمجلس حكماء المسلمين الدكتور سلطان فيصل الرميثي، والكاتب والإعلامي الإماراتي ياسر حارب المهيري، وكبير الحاخامات في المجمع العبري بواشنطن الحاخام م. بروس لوستيغ Bruce Lustig، والمدير العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إيرينا بوكوفا».
والأخيران تم ضمهما إلى اللجنة في شهريّ سبتمبر ونوفمبر، والرميثي ولحظي والمهيري هم أعضاء المكتب التنفيذي للجنة.
وعقدت اللجنة منذ تشكيلها 5 اجتماعات، بدأتها في 11 سبتمبر في بيت القديسة مرثا بالفاتيكان إذ حضره قداسة البابا فرنسيس، ثم في 20 سبتمبر زارت اللجنة
النصب التذكاري لاعتداءات «الحادي عشر من سبتمبر 2001» في نيويورك، كما أزاحت الستار عن بيت العائلة الإبراهيمية والذي سيتم إنشاؤه بأبوظبي، ويعمل هذا البيت كمجتمع للتقريب والحوار بين الأديان، مما يعزز قيم التعايش السلمي والقبول بين أصحاب المعتقدات والثقافات المختلفة، وأعلنت ترجمة الوثيقة لكل لغات العالم.
أما اجتماعها الثالث، فكان في 15 نوفمبر بالتزامن مع أول لقاء يجمع كل من البابا والإمام في الفاتيكان، بعد توقيعهما وثيقة الأخوة الإنسانية.
وفي اجتماعها الرابع بنيويورك في شهر ديسمبر الماضي، التقت اللجنة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في مقر المنظمة، إذ سلم رئيس اللجنة وأمينها إلى غوتيريس رسالة مشتركة من البابا وشيخ الأزهر تضمنت مقترح إعلان الرابع من فبراير يومًا عالميًا للأخوة الإنسانية، وهو يوم توقيع الوثيقة، بجانب دعوة لعقد قمة للقادة الدينيين والسياسيين، للتوصل إلى حلول عملية لتنفيذ مبادئ الأخوة الإنسانية.
وعقدت اللجنة اجتماعها الخامس 6 يناير الماضي، في أبو ظبي، إذ التقاهم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وأعلن دعمه لجهود اللجنة لتفعيل بنود الوثيقة، مضيفًا: «سعدت بلقاء أعضاء اللجنة العليا لتحقيق أهداف وثيقة الأخوّة الإنسانية .. واطلعت على دورها في ترسيخ قيم التسامح والتعايش والتآخي والسلام العالمي».
وتتولى اللجنة مهام وضع إطار عمل لضمان تحقيق أهداف الإعلان العالمي للأخوة الإنسانية، والعمل على إعداد الخطط والبرامج والمبادرات اللازمة لتفعيل بنود الوثيقة ، ومتابعة تنفيذها على كافة المستويات الإقليمية والدولية، وعقد اللقاءات الدولية مع القادة والزعماء الدينيين ورؤساء المنظمات العالمية والشخصيات المعنية لرعاية ودعم ونشر الفكرة التي ولدت من أجلها هذه الوثيقة التاريخية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، وكذلك حث السلطات التشريعية على الاهتمام ببنود الوثيقة في التشريعات الوطنية من أجل أن تترسخ لدى الأجيال القادمة قيم الاحترام المتبادل والتعايش كأخوة في الإنسانية بجانب الإشراف على بيت العائلة الإبراهيمية.
وتؤكد الوثيقة على ما يلي:
أن التعاليم الصحيحة للأديان تدعو إلى التمسك بقيم السلام وإعلاء قيم التعارف المتبادل والأخوة الإنسانية والعيش المشترك؛
أن الحرية حق لكل إنسان: اعتقادا وفكرا وتعبيرا وممارسة، وأن التعددية والاختلاف في الدين واللون والجنس والعرق واللغة حكمة لمشيئة إلهية، قد خلق الله البشر عليها، وجعلها أصلا ثابتا تتفرع عنه حقوق حرية الاعتقاد، وحرية الاختلاف، وتجريم إكراه الناس على دين بعينه أو ثقافة محددة، أو فرض أسلوب حضاري لا يقبله الآخر.
أن العدل القائم على الرحمة هو السبيل الواجب اتباعه للوصول إلى حياة كريمة، يحق لكل إنسان أن يحيا في كنفها.
أن الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس، من شأنه أن يسهم في احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي تحاصر جزءا كبيرا من البشر.
أن الحوار بين المؤمنين يعني التلاقي في المساحة الهائلة للقيم الروحية والإنسانية والاجتماعية المشتركة، واستثمار ذلك في نشر الأخلاق والفضائل العليا التي تدعو إليها الأديان، وتجنب الجدل العقيم.
أن حماية دور العبادة، من معابد وكنائس ومساجد، واجب تكفله كل الأديان والقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية، وكل محاولة للتعرض لدور العبادة، واستهدافها بالاعتداء أو التفجير أو التهديم، هي خروج صريح عن تعاليم الأديان، وانتهاك واضح للقوانين الدولية.
أن الإرهاب البغيض الذي يهدد أمن الناس، سواء في الشرق أو الغرب، وفي الشمال والجنوب، ويلاحقهم بالفزع والرعب وترقب الأسوأ، ليس نتاجا للدين - حتى وإن رفع الإرهابيون لافتاته ولبسوا شاراته - بل هو نتيجة لتراكمات الفهوم الخاطئة لنصوص الأديان وسياسات الجوع والفقر والظلم والبطش والتعالي؛
أن مفهوم المواطنة يقوم على المساواة في الواجبات والحقوق التي ينعم في ظلالها الجميع بالعدل لذا يجب العمل على ترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة في مجتمعاتنا؛
أن العلاقة بين الشرق والغرب هي ضرورة قصوى لكليهما، لا يمكن الاستعاضة عنها أو تجاهلها، ليغتني كلاهما من الحضارة الأخرى عبر التبادل وحوار الثقافات؛
أن الاعتراف بحق المرأة في التعليم والعمل وممارسة حقوقها السياسية هو ضرورة ملحة، وكذلك وجوب العمل على تحريرها من الضغوط التاريخية والاجتماعية المنافية لثوابت عقيدتها وكرامتها؛
أن حقوق الأطفال الأساسية في التنشئة الأسرية، والتغذية والتعليم والرعاية، واجب على الأسرة والمجتمع، وينبغي أن توفر وأن يدافع عنها، وألا يحرم منها أي طفل في أي مكان؛
أن حماية حقوق المسنين والضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة والمستضعفين ضرورة دينية ومجتمعية يجب العمل على توفيرها وحمايتها بتشريعات حازمة وبتطبيق المواثيق الدولية الخاصة بهم.