أصابنى ذات يوم هم وقلق وحزن شديدان، وكنت أسير فى إحدى شوارع مدينتى كالرجل المهزوم، شارد الذهن، فاقد الثقة، مثقلًا بالديون التى لا أعرف لها نهاية.
وفجأة التقيت برجل بُترت ساقاه، وكان يجلس على مقعد خشبى ذى عجلات، يقوده بيديه، والتقيت به بعد أن عبر الشارع.
وحاول أن يرفع عجلاته فوق الرصيف، ثم التقت عيناه بعينىَّ. وقال بابتسامة عريضة: صباح مشرق ويوم جميل.. أليس كذلك؟
فوقفت أنظر إليه، وعرفت كم أنا غنى؛ إذ لدى ساقان ويمكننى السير بحرية.
وشعرت بالخجل لأننى أرثى نفسى، فسألت: لماذا كان سعيدًا ومطمئنًا وواثقًا من نفسه ويبتسم للحياة وهو بدون ساقين؟ فامتلأت نفسى بالشجاعة والثقة، وتخلصت من قلقى وتوترى، وعشت يومى لحظة بلحظة، ورميت الماضى خلف ظهرى، وأغلقت أبواب المستقبل الذى لم يأتِ بعد، وغيرت حياتى.
وها أنا بعد هذه السنين أتذكر هذا اليوم. بعدما حققت كل ما أحلم به.