منادي السيارات أو “السايس” كما يطلقون عليه في مصر، رجل أو امرأة، يساعد الناس في ركن سياراتهم والمحافظة عليها فترة غيابهم مقابل مبلغ من المال، وتسود حاليا حالة من النفور والغضب في الشارع المصري نظرا إلى تحول هذا العمل إلى مهنة من لا مهنة له ومصدر رزق دون بذل أي جهد أو الحصول على شهادة تعليمية، كما يثير هؤلاء السيّاس الكثير من الأرق للمواطنين.
وباتت من المألوف مباغتة السايس لصاحب السيارة، الذي بدوره لا يعرف من أين جاء، فيفتح عليه الباب صارخا في وجهه “كل سنة وأنت طيب يا باشا.. حمدا لله على السلامة يا هانم.. هتنزل سيادتك متأخر؟ الركنة هنا بـ10 جنيه (نصف دولار تقريبا) في الساعة يا أستاذ”.
أصحاب المركبات بين ناري دفع الإتاوة أو تخريب السيارة
تغير الأمر بعد ثورة 25 يناير 2011 وانتشر نوع آخر من السياس وتحول من مهنة فرد إلى جماعات تسيطر على مناطق بأكملها، مستغلة نقص الأماكن الخاصة بركن السيارات بالشوارع الرئيسية والفرعية، وراحت تطالب المواطنين بأموال مقابل السماح لهم بوضع سياراتهم على جانبي الطريق بجوار الرصيفين دون أي رقيب من الحكومة.
تفرع من تلك الجماعات السايس البلطجي الذي يفرض إتاوات على السائقين، والسايس “السوابق”، أي الذي لديه سابقة جنائية وتم سجنه، وهو شخص وقح الأسلوب يستغل خشونة ملامحه لإخضاع قائدي المركبات لما يفرضه عليهم من رسوم مقابل الركن.
أصبح السياس على كل شكل ونوع، حتى ليخيل أن عددهم بات يفوق عدد السيارات، ما جعل البعض يتندر بأن في مصر الآن “سايس لكل مواطن” لانتشارهم في الحارات والأزقة وأمام الأكشاك ونصّبوا من أنفسهم “حامي حمى السيارات” .
فوق رقابة القانون
اكتسب السايس من عمله بعض المهارات، فبعد أن كان يساعد السائق في إيقاف سيارته وحراستها إلى حين عودته، تعلم القيادة وبات يتسلم مفتاح السيارة من صاحبها ويتولى هو ركنها.
وخطوة تلو الأخرى تحولت المهنة إلى ما يشبه “المافيا” ويرعاها أباطرة كبار يعملون دون تراخيص ليعلنوا قانونا موازيا لقانون الدولة، ومن ثمة يحتكرون مناطق بأكملها، يفرضون نفوذهم عليها ولا يسمحون لآخرين بمشاركتهم.
في مصر 8.6 مليون سيارة وفقا لآخر إحصائيات رسمية أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2015، تقع أغلبية أصحابها تحت مطرقة استغلال “أباطرة السياس” في غياب تام من الرقابة والقانون.
هؤلاء يتعاملون وفقا لنوع السيارة وسعرها، فأصحاب السيارات المرسيدس لهم معاملة خاصة تختلف عن سائقي السيارات صينية الصنع، سواء في الرسوم التي يفرضونها على الانتظار أو طريقة الاستقبال لأصحابها.
وخصصت غرف المرور بمديريات الأمن رقما ساخنا لتلقي شكاوى المواطنين من السايس، وانتشر الرقم على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية، وتم عن طريقه تقديم بلاغات وشكاوى ضدهم من قبل المواطنين وإلقاء القبض على المئات منهم.
أم شريف سيدة خمسينية أجبرتها الظروف على مهنة السايس لتنفق على أسرتها، وبالفعل استطاعت بعد معاناة الاستيلاء على ساحة انتظار بشارع شبرا (وسط القاهرة) وأبدت خوفها من الحملات التي تشنها وزارة الداخلية حاليا، فهي لا تعرف مهنة غيرها، خاصة أنها أخرجتها من دوامة العوز والاحتياج.
وأكدت أنها تكسب مالها من عرق جبينها، فقد دفنت أنوثتها وعملت بمهنة هي أقرب للرجال من النساء لتنفق غلى بناتها الست وتزوجهن. واستنكرت الاتهامات التي يطلقها عليها المواطنون، فهي على اقتناع تام بأنها تمارس مهنة شريفة وليس بها ما يعيبها وتعمل في الشارع أمام الجميع وليس في بيوت الدعارة.
مي سمير، وهي مهندسة معمارية، فاض بها الكيل ممن أسمتهم “إمبراطورية السُيّاس” وقالت بلهجة حادة، “ليس من الضروري أن كل من لديه سيارة هو شخص قادر ماديا، فهناك من اشتراها بالتقسيط، أو دخل في جمعيات متعددة (مجموعة من الأصدقاء يتشاركون في تقسيط المال بينهم كل شهر) للحصول عليها، أو حصل على قرض من البنك لتمويلها، وبالتالي فهو يكون بين نارين؛ الأولى الخوف عليها إذا تركها في الشارع دون رقيب، والثانية أنه لا يستطيع أن يعطي هؤلاء السيّاس ما يطلبونه من نقود يوميا لأن هذا يتطلب ميزانية شهرية”.
الفهلوة في كسب الرزق
محمود وزملاؤه من حملة المؤهلات المتوسطة، قبلوا بتلك المهنة بعد أن فشلت كل مساعيهم للحصول على وظيفة تناسب مؤهلاتهم، لكي لا يلجأوا إلى السرقة أو ينضموا إلى تنظيمات إرهابية كثيرا ما عرضت عليهم ذلك.
محمد أو “بندق” كما يسميه البعض، شاب عشريني نحيل الجسد، متوسط القامة يعمل سايسا هو وشقيقه بمنطقة وسط البلد بالقاهرة، أوضح أنه يتخذ من ركن السيارات لقمة عيش بالحلال بسبب البطالة التي عانى منها طيلة السنوات الماضية.
وأكد أنها مهنة ربحها عال وعائدها اليومي يصل إلى 600 جنيه (ما يعادل 35 دولارا)، لكنه لا يفرض على قائدي السيارات إتاوة، فهو يرضى بالقليل الذي يجود به صاحب السيارة، وإذا لم يعطه مقابل مجهوده في الوقوف بجانب السيارة وحمايتها يفوض أمره لله، لكنه لا يتعرض له أو لسيارته.
العميد محمد السيد بجهاز الشرطة المصرية، أوضح أنه سيتم تقنين أوضاعهم باعتبارهم فئة موجودة في المجتمع بشروط، أهمها استخراج سجل أمني والحصول على تراخيص من الأحياء بمزاولة المهنة، وتحديد منطقة وموقع لكل سايس يكون مسؤولا عن سياراته. وفي المقابل يتسلم السايس دفاتر مختومة يحدد بها تعريفة الانتظار وعدد الساعات على أن تدخل تلك الحصيلة إلى خزينة الدولة ويتم وضع مرتبات خاصة بالسايس.
وأضاف أن هناك قانونا جديدا سيتم تفعيله في القريب العاجل ويواجه بلطجة هؤلاء بمجرد التبليغ عنهم من قبل المواطنين وستكون عقوبة ذلك غرامة تصل إلى 500 جنيه ( 28 دولارا تقريبا)، أو الحبس لمدة لا تقل عن عام، مشددا على أن الدولة ستكشف عن سلوك السايس بعد ذلك واستبعاد البلطجية منهم والتعامل بحزم مع من يفرض سيطرته أو سطوته على المواطنين.