أنا في الحق موزع بين شاطئين كلاهما خصب وثري،

الشارع المصري
طبوغرافي

"أنا في الحق موزع بين شاطئين كلاهما خصب وثري، أجلس على شاطئ وأستعذب التأمل في الآخر.. وأعرف أن الفن أنا، والعلم نحن، ذبت في الـ نحن وأحن إلى الأنا، وأعرف أن الفن هو القلق وأن العلم هو الطمأنينة؛ فأنا مطمئن أرنو إلى القلق".

 

كلمات للعالم والشاعر أحمد مستجير، الذي دخل الأدب من بوابة العلم، وتحل اليوم 17 أغسطس ذكرى رحيله وبالتحديد عام 2006. تخصص مستجير في الهندسة الوراثية، وآمن بدور العلم في إسعاد الفقراء، وحل المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتهم. ترجم 39 كتابًا، وكتب 17 كتابًا، كان آخر كتاب مترجم هو "معنى هذا كله" وصدر عام 2005.

 

ولد الدكتور أحمد مستجير مصطفى في ديسمبر 1934م بمحافظة الدقهلية، نبغ في علم الهندسة الوراثية وكان يرى أن البيوتكنولوجيا من الممكن أن تستخدم لإسعاد الفقراء، وحل مشكلاتهم الاقتصادية فهي تتضمن زراعة الأنسجة ودمج الخلايا والهندسة الوراثية، وباستخدامها يمكن إنتاج نبات مقاوم للأمراض أو مقاوم للملوحة أو متميز بمحصول وفير.

 

وللدكتور أحمد مستجير عديد من المؤلفات والكتب في الهندسة الوراثية، لكنه مثلما برع في العلم برع في الأدب حيث ولع منذ صغره بالشعر وقد قال عن هذا يومًا: " في جوف كل عالم شاعر هو الذي يأخذه إلى طريق الأحلام والأوهام ليخلق منها علمًا حقًا، لا علم بلا خيال، ولا شعر بلا خيال، وشطحات الشاعر هي نفسها شطحات العالم". قرأ شعره على الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، الذي أثنى على شعره وأصدر مستجير ديوانين هما "عزف ناي قديم" و"هل ترجع أسراب البط؟".

 

يُرجع مستجير تفوقه ونبوغه لعشقه للأرض الريفية، لأنه ابنها حيث يقول إن تفوقه في كلية الفلاحين "الزراعة" جاء بسبب عشقه للزراعة والخيال واللون الأخضر، فالريف هو عشقه الأبدي ومنبع الرومانسية المتأججة في داخله.

 

في عام 1964 عمل كمدرس بكلية الزراعة في جامعة القاهرة، ثم أستاذًا مساعدًا عام 1971، ثم أصبح عميدًا للكلية من سنة 1986 إلى سنة 1995، ثم أستاذًا متفرغًا بها. كان عضوًا في 12 هيئة وجمعية علمية وثقافية، ولُقب بـ "أبو الهندسة الوراثية" حيث نبغ في علم الهندسة الوراثية، كما لعب دورًا بارزًا في تطوير زراعة القمح والتصدي لأخطار تلوث البيئة، كما لُقب بـ"الأديب المتنكر في صورة عالم".

 

كما كان من أبرز جهوده الأدبية كتاباته في عروض الشعر، إذ وضع في إحداها نظرية علمية رياضية لدراسة عروض الشعر العربي وإيقاعاته الموسيقية وأودعها في كتابه "مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي"، إضافة إلى كتابه الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي.

 

كان عالمًا إنسانًا، يذكر أنه في أثناء عمله ذات مرة كمهندس زراعي، لفت انتباهه طفل يجمع القطن، يقول في ذلك: "قرأت في وجهه وجه مصر، بهجة غامرة، وحزن بعيد وغامض وعميق"، فأعطاه قرشين، علم مفتش من القاهرة ما فعله مستجير فعنفه وأوصاه أن يعامل الفلاحين بقسوة حتى يهابوه..

 

ليلتها لم ينم وكتب في مفكرته: "هل تستلزم الوظيفة الجديدة قتل الإنسان داخلي؟ هل يستكثرون أن يحظى الفلاح مني ببسمة؟ يكرهون أن يربت إنسان على كتف إنسان، أمن أجل 15 جنيهًا احتاجها يقتلون فيَّ الإنسان؟"، ومن فوره ترك مستجير العمل.

 

كما عمل على ترجمة عديد من الكتب إلى العربية، ولم يكن راضيًا عن أحوال الترجمة في مصر، حيث ذكر ان الترجمة تعاني مما نجده أيضًا في كل درب من دروب التقدم. العدد المترجم من الكتب قليل، والأزمة الحادة تكمن في اختيار الكتب العلمية التي تستحق أن تترجم. والمطلوب حاليًا هو الكتب التي تخاطب القارئ العام لا المتخصص، الكتب التي تعالج القضايا الاجتماعية التي تواجهنا والتي ظهرت مع التقدم العلمي الرهيب الذي حدث ويحدث فى الغرب.

 

كان يرى في العلم نشاط اجتماعي يجب أن يلتزم بتقاليد المجتمع وحاجاته، ولا يجب أن ننظر إليه على أنه مجرد نشاط يحركه حب الاستطلاع، وبهجة الاكتشاف، فلا يصح أن يكون العلماء وحدهم هم الذين يوجهونه حيث يحلو لهم، فهناك حدود يجب أن يرسمها المجتمع. توفي إثر جلطة دماغية أصابته بعد تأثره بمشاهدة ضحايا حرب لبنان على شاشة التلفاز، وذلك في 17 أغسطس 2006 عن عمر يناهز 72 عامًا في أحد مستشفيات النمسا.