نقصد بعوامل السقوط . الأسباب التي أدت إلى سقوط العالم العربي في الوقت الحالي، وفنائه بعد ذلك ، ونحاول من خلال تسليط الضوء على هذه العوامل ، إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، أو تأخير وقوع الفناء العربي . أو عودة العالم العربي إلى الحياة ،والتأثير فيها من جديد .
جنون البقر : وفتاوى الغجر
اهتز المجتمع الإسلامي بعنف من بعض الفتاوى التي أذيعت علي الفضائيات لأناس ينتسبون إلي الأزهر الشريف ،وكل ماحدث له خلفيات علمية وثقافية تحدثت عنها كثيرا أنا وغيري ،
وسوف اكتفي هنا برأي العلامة [ أبوعلال الفاسي] في كتابه القيم " النقد الذاتي " وكان يريد بالنقد الذاتي ،نقد المسلمين لتراثهم وعلومهم ،في ضوء القرآن الكريم والسنة التي لا تعارضه فقال :
[ عندما كان التعليم في الأزهر يضمن للطلاب السكن في أروقته ،والأكل من جرايته ،والحصول علي كتبه بالمجان، تحركت جحافل الطلاب من الريف – أبناء الفلاحين الفقراء - ودخلت الأزهر للأسباب السابقة ،ولم يكن لديهم خلفية معرفية بحكم أمية أسرهم ،ولا خلفية ثقافية بحكم النشأة والتربية، هؤلاء حافظوا عليه كما هو ].
وحفظ العلم ونقله كما هو يبلد العقل ،ويضعفه ويجعله غير قادر علي التمحيص والبحث العلمي ،والتمييز بين ما هو علم وما هو نقل وليس هناك في العالم علم يقوم علي الحفظ والتكرار ،فهذا عمل الببغاوات الأساسي، وإذا قام – ما يطلق عليه عالم – بنقل العلم إلي الناس كما حفظ دون تدخل منه، فربما صنع الكوارث وهو لا يدري، وقيام العلم علي النقل دون أعمال العقل ،لا يتحمل مسئوليته الأزهر فقط بل هو موجود في كل المؤسسات التعليمية في مصر وفي العالم العربي، وهذا ما أدي بنا إلي التخلف العلمي والتقهقر الحضاري في كل المجالات، حتى وصل ذلك إلي الكليات العملية، والأبحاث العلمية، ولعل ما يحدث في الثانوية العامة والأزهرية خير دليل علي ذلك فالطالب يحفظ معلومات، ويُطلب منه في الامتحان أن يكتبها كما هي، وبعد ذلك يذهب لكلية الطب، ويتخرج منها لصا للأعضاء البشرية وهذا الكلام يصدق علي البعض ،والبعض الصالح ضعيف ، ولذلك نعالج كثيرا من الأمراض في الخارج، لأننا لا نجد لها أطباء عندنا، وكل العمارات المرشحة للانهيار صممها مهندسون لا يعرفون شيئا عن العلم و البحث العلمي .
ومازلت أذكر أن فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق آخر العظماء المحترمين. كلفني ذات يوم بمراجعة كتاب الفقه الشافعي للفصل الأول الاعدادي، ووجدت في الكتاب ( 95صفحة ) 360 خطأ ما بين إملائي ونحوي وصرفي و(60 ) خطأ في الفقه نفسه منسوب إلي الإمام الشافعي، وهو لم يقل بها أبدا بل هي من العادات الشعبية في مصر، وبذلت جهدا كبيرا لكي أقنع اللجنة التي شكلها الإمام لمراجعة الكتاب لكي يقتنعون بذلك. ولما سألني الشيخ كيف حدث هذا من ثلاثة أعلام كبار وهم الذين اشتركوا في تأليف الكتاب، قلت له : يا مولانا هؤلاء لم يراجعوا كتاب " الأم " ولا أي كتاب للفقه الشافعي ،بل هم اجتمعوا تحت شجرة علي حافة الترعة في قريتهم، واعتمدوا علي الذاكرة، وعلي ما يتداول بين المزارعين، من عادات شعبية . فقال لى : صدقت.
نعود إلي جنون البقر وفتاوي الغجر :
- علي الهواء في احدي الفضائيات، التي تبث برامجها إلي العالم أجمع، قال أحد العلماء – الرواة – بجواز نكاح الميتة ، أو جماع الميتة، وإن كان شاذا إلا أنه ليس بحرام وهذا قول مجنون لم يُعمِل عقله لحظة واحدة إنما سكر عقله في زحام الشهرة وأضواء الكاميرات، وسفالة وضحالة فكر الذي قدمه للناس، لماذا لم يفكر ولم يُعمل عقله لحظة لأن استعمال العقل كفر في كثير من المؤسسات الدينية، وقد اتُّهمتُ أنا نفسي بمعصية استعمال العقل. وأعاني من هذا الاتهام حتى الآن، المهم أن الشيخ لم يستعمل عقلا فسيحا، ولا نقلا صحيحا ،وأراهن بعمري إن كان هذا من أراء المدارس الفقهية قبل عصور الانحطاط.
- أما السيدة عالمة الفقه، والتي أجازت نكاح البهائم، أو جماع الإنسان للماشية، فهي لم ترجع في ذلك إلي أي علم محترم، أو لجأت إلي عقل يفكر خارج النقل، وإنما عادت إلي جرن العائلة في القرية، وهي تجلس تحت شجرة، تسمع من الفلاحين حكاياتهم عن معاشرة البهائم بين المزارع وفي الذرائب، ثم نقلتها لكل البشرية ( 7 مليار ) الآن على أن هذا من الإسلام، أين العقل ؟ لعن الله أي شخص أو طائفة أو فرقة تقول أن استعمال العقل حرام.
- الطامة الكبرى فتوى خرجت من دار الافتاء المصرية و نُشرت في الصحف تجيز للمرأة وضع المساحيق علي وجهها في البيت وقبل أن تخرج إلي الشارع، حتى يراها الناس جميلة ولأنه رجل مودرن قال : تضع " المكياج " و" الميكاب " قبل الخروج لتكون جميلة، وهذا نشر في جريدة الوطن وأنا أطالب شيخ الأزهر بالتحقيق في هذه الفتوى، وأطالب المفتى إن كان يفهم هذه الفتوى وخطورتها علي الثوابت، أن يحقق فيها.
وفي النهاية أطالب كل من يظهر من العلماء – الرواة- في القنوات الفضائية، أطالبهم بتقوى الله، وأقول لكل واحد منهم :
إن لم يكن عندك دين فليكن عندك دم .