( سوابق الهمم )
أى أن من لديه همة عالية فى العبادة والطاعة ليست هذه الهمة جديرة بأن يحصلوا بها على ما يتمنون، فالأمر ليس بالهمة فقط، وأصدق دليل على هذا همة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ظل يدعو أهل مكة ثلاثة عشرعامًا، ومع ذلك ضاقت مكة ذرعًا بالرسول الكريم وبالرسالة إلى أن تركها وانتقل إلى المدينة صلى الله عليه وسلم.
(لن تخترق القدر)
وهى الأقدار التى كتبها الله تعالى بقضائه؛ ولهذا فاعتراض البعض من قضاء الله سبحانه وتعالى، المقدر للإنسان مثل تأخر الزواج، أو ضيق الصدور وكثرة الديون، أو المرض بحجة أننى مسلم ملتزم بالصلاة والصيام، وأتحلى بالأخلاق الإسلامية كلها. مثل أن أقول يا ربى أنا أصلى، وأصوم، وأتصدق، ولا أقع فى المعاصي، ورغم هذا نواجه عقبات صعبة فى الحياة؛ وبهذا يعترضون على الله سبحانه وتعالى باعتبار همتهم العالية، أو عطائهم الكبير .
ليس صحيحًا أن يعتقد الإنسان أنه لن يجرى عليه ضر ما دام ملتزمًافالعكس هو الصحيح، وطالما كان الإنسان ملتزمًا ومستقيمًا مع الله سبحانه وتعالى، لابد وأن يشدد عليه فى البلاء؛ ليرتفع رصيده ودرجته عند الله تعالى، ويكون من الصابرين{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: 10].
( سوابق الهمم لا تخترق القدر أو أسواره) ابن عطاء الله.
الإنسان المسلم بلا همة لا يساوى شيئًا، وحياة المسلم عبارة عن مجموع جهده وعزمه، فإذا دعا المسلم فليعزم فى الدعاء، وإذا أخلص فليخلص فى إخلاصه؛ لأنها مقدّرة عند الله عز وجل؛ ولهذا لا يجب على المسلم إذا فعل كل ما يُطلب منه بجدٍ وإخلاص، وجاءت النتيجة بغير ما يتمناه أو لم تسعده؛ أن يضجر أو يتخاذل أو يتكاسل، بل عليه أن يؤمن بقدر الله تعالى، وأن أمر المؤمن كله خير { إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِى يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[آل عمران: 160].
فهذه هى مسألة الأقدار، والأقدار لا تردها الهمم، ولكن الأقدار سابقة على الهمم فى علم الله سبحانه وتعالى، ولا يغنى حذر عن قدر.
فالمسلم يأخذ بكل الأسباب، وقد لا يصل مع جهده كله إلى مبتغاه؛ لأن الله تعالى له إرادة معينة فى هذا، وأمر المؤمن كله خير، وقد وجدنا هذا أيضًا فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم عندما منع الله رسوله الكريم من دخول مكة، و قد كانت مكة قاب قوسين أو أدنى منه صلى الله عليه وسلم، ورغم هذا رجع النبى صلى الله عليه وسلم دون أن يعتمر؛ لأن الله سبحانه وتعالى له مشيئة فى رجوع نبيه دون أن يطوف حول البيت، وكان هذا سببًا لفتح مكة فيما بعد، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى:{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51].
وإذا نظرنا إلى سير رسل الله تعالى، نجد أن حياتهم كلها جهاد وبلاء، ورغم هذا فإن ابتلاءهم الشديد وتأخير النصر لهم كان لعلة، ولم يكن هذا إقلالًا لهم أو لهمتهم العالية، بل لرفع درجاتهم عند الله تعالى وأن تتم مشيئة الله؛ لأن الهمم لا تخترق القدر ولا تمنعه والقدر حادث لا محالة، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة.