النبي، الملك، العابد، القانت، الأواب داود

العالم الإسلامي
طبوغرافي

هو النبي، الملك، العابد، القانت، الأواب، المجاهد: داوود بن أبشا بن عوير بن سلمون بن نحشون بن عوينا دب بن أرم بن حصرون بن فرص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام.

كان عليه السلام طاهرًا ونقي القلب، جمع الله له الملك والنبوة، بين خيري الدنيا والآخرة، وكان الملك يكون في سبط والنبوة في آخر فاجتمعا في "داوود" عليه السلام، وكان عليه السلام فتي صغيرًا من بني إسرائيل، وجنديًا شجاعًا من جنود طالوت. 

خرج "داوود" مع بني إسرائيل يقاتل في سبيل الله فكان مع الفئة القليلة الصابرة، حيث قال تعالي: "فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ " (البقرة 248).

وكان جالوت ملكًا قويًا جبارًا وقائدًا مخوفًا، وعندما تقابل الجيشان في الميدان نادى جالوت بأعلى صوته: هل من مبارز؟ فلم يخرج من بنى إسرائيل أحد حتى خرج "داوود" من بين الصفوف وتصدى له، وكان ماهرًا في رمي المقلاع، وكان معه خمسة أحجار، فرماه بالحجارة بمقلاعه فوقعت بين عينيه فقتلته، حيث أراد سبحانه وتعالي أن يجعل مصرع هذا الجبار (جالوت) علي يد هذا الفتى الصغير، فقال تعالى: "وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ".

شجاعة داوود عليه السلام
قال ابن كثير: فيه دلالة علي شجاعة داوود عليه السلام، برغم صِغر سنه، أنه قتل جالوت قتلاً أذال الله تعالى به جنده وكسر جيشه، ولا أعظم من غزوة يقتل فيها قائد الجيش، فتغنم بسبب ذلك الأموال الجزيلة، ويصبح الأبطال والشجعان والأقران أسرى، وتعلو كلمة الإيمان على الأوثان، ويظهر الدين الحق على الباطل وأوليائه.

معجزات داوود عليه السلام
قال تعالي: "وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ" (سبأ 10 و11)، وقال تعالي: "وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ" (الأنبياء 80). الله عز وجل منّ عليه أن ألان له الحديد حتى كان يفتله بيده دون أن يحتاج إلي نار ولا مطرقة، حيث كان يُتقن صنع الدروع منه، ليحصن المقاتل من الأعداء، وكأنه قطعة من القماش. ولقد أرشده الله إلي صنعتها وكيفيتها، وثبت في الحديث: "أن أطيب ما أكل الرجل من عمل يده، وأن نبي الله داوود عليه السلام كان يحب أن يأكل من عمل يده مثل باقي أنبياء الله، فكان يصنع كل يوم درعًا يبيعها"، وقال قتادة: إنما كانت الدروع قبله صفائح، وهو أول من سردها حالقًا، كما قال تعالي: "وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ (11)" أي: لا توسع الحلقة فتفلق المسمار ولا تغلظ المسمار فتفقد الحلقة، ولهذا قال: "لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ".

داوود العابد الأواب
قال النبي صلي الله عليه وسلم: "كان داوود أعبد البشر" رواه مسلم، وقال النبي عليه الصلاة والسلام أيضًا: "أحب الصلاة إلي الله صلاة داوود، وأحب الصيام إلي الله صيام داوود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ويصوم يومًا ويفطر يومًا" متفق عليه عن ابن عباس.

وعن قيام "داوود" الليل، قيل: كانت له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه، ويبكي ببكائه كل شيء ويصرف بصوته الهموم والأحزان، وقال ابن كثير: كان لا يمضي ساعة من آناء الليل وأطراف النهار إلا وأهل بيته في عبادة ليلًا أو نهارًا.. كان "داوود" هو المقتدي به في ذلك الوقت في العدل وكثرة العبادة وأنواع القربات إلى الله.