الإعلامى والمحاضر الدولى/
د. أحمد طقش
المؤمن الحقيقي وصّال، يجتمع المؤمنون حول إشراقات قلبه، ويؤمل منه كل ضعيف كل قوة، إن اتصال المؤمن بالله جل جلاله يكسبه مجموعات من الخصائص والمزايا المتقدمة، التي يجب أن يستخدمها في إصلاح ذات البين، وفي كفكفة الدموع، وفي سحب التشنج من المجتمع، وأخيرا وليس آخرا في تحبيب الناس بدين الله القويم .
من لحل هذه المشاجرة اليومية في البيت سوى المؤمن ؟ من لفك الاشتباك اليومي في العمل غير المؤمن ؟
يجب أن يلتقي الناس كل الناس عند من آمن بالله جل جلاله، وقرر أن يكونا ( مصلحا للمجتمع ) بل لكل المجتمعات .
يعاني المجتمع المعاصر من قلة الرحماء وقلة الخيرين وقلة المؤدبين، والمؤمن الحقيقي عامر بالرحمة عامر بالخير عامر بالأدب.
فعندما يدخل نور الإيمان بالله إلى القلب، يبدأ هذا القلب أولا بالانشراح، ثم بضخ هذه الأنوار إلى كل من حوله، جاء في الحديث الشريف الصحيح عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام : ( إنما أنا رحمة مهداة )، وبناء عليه فعلى كل من يشهد أنه لا إله إلا الله و أن محمدا عبده ورسوله أن يكون رحيما بمن حوله، جابرا لعثراتهم، غافرا لزلاتهم، متغاضيا عن سلبياتهم، هذا بخصوص الرحمة .
أما موضوع الخير فهو ميزة المؤمن الحقيقي الذي لا يوفر جهدا إلا يبذله في سبيل إعمار الأرض بالخيرات وإغناء صفحة حسناته بالمثوبات، المؤمن يسأل عن صحة المريض، ويدعو للمسافر بالعودة سالما غانما، ويحاول جاهدا إصلاح عيوب الآخرين بدلا من التغني بتعدادها، المؤمن خير كله للآخرين ثم لنفسه .
وبالنسبة إلى الأدب فهو خاصية المؤمن المميزة، فالمؤمن يميزه عن غيره لسانه النظيف، وسلوكه المحترم، ولباقته في التصرف مع الآخرين، احتراما للكبار وعطفا على الصغار، المؤمن الحق لايتلفظ إلا بالكلمات الشريفة النظيفة التي كان يقولها الحبيب الأعظم عليه الصلاة والسلام، فمما رواه الإمام مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش و لا البذيء ) .
وهكذا فالمؤمن همزة وصل في المجتمع، تلتف حول قلبه القلوب، وتجتمع حول خصاله الحميدة كل فئات المجتمع التواقة للسلام والتواضع والهدوء و الذوق .
المؤمن الحق ينشر الخيرات بين الناس، فيعزز بذلك ثقة الجميع بالجميع .
المؤمن الحق يخفي المنكرات، فيساعد هذا الإخفاء على التقليل منها . جاء في سنن البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه :
( إن الله ستير يحب الستر )، وبهذه الصفة يحاول المؤمن أن يتأسى فتراه لا يقرأ فضيحة ولا ينشر فضيحة ولا يكتب فضيحة ولا يسأل عن فضيحة .
المؤمن الحق مشغول بالتفكير لا بالتكفير، وهكذا تعد ممارسته للأخلاق الإسلامية عامل لحمة وتوحيد في المجتمع ، لا عامل نفور وتشتت وانفصام .
انطلاقا من رؤية المؤمن لمهمة الإيمان في المجتمع، تراه يحاول باذلا قصارى جهده تأليف القلوب و الأفهام، وجمع الرؤى، وتوحيد الصفوف، وتقريب وجهات النظر .
انظر إلى أي تجمع بشري كان، جامعة، شركة، وزارة، جامع، سترى أن محور هذا التجمع هو شخص صائم قائم، أمره دينه أن يحب الجميع، و أن يجعل الجميع يسعون لنيل محبته .
فمن علامات غمر الإيمان لقلب المؤمن أنه وسط تلتقي عنده كل المتنافرات، المؤمن الفعلي لا النظري هو واحة استقرار من المتناقضات، هو استراحة محارب، وهو تنفس الصعداء .
نتذكر طبعا هناك الصادق الأمين، عندما ادلهم الخطب وحار كبار أهل الحل والعقد في مشكلة عويصة، كيف أشرق بطلته البهية من باب المسجد و راح يحل مشكلة قريش بعقله السديد وفكره القويم، ولنسمع سوية قصة وضع الحجر الأسود كيف حلها النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بعد أن قررت قريش إسناد مهمة حل المشكلة لأول الداخلين إلى المسجد :
( ..... وكان من قدر الله أن أول من دخل بعد هذا القرار هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه هتفوا، وقالوا هذا الأمين رضيناه، هذا محمد، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر، أخذ رداءً ووضع فيه الحجر الأسود، وأمرهم أن يمسك كل واحد منهم بطرف من الرداء ويرفعه، فلما وصل الحجر الأسود إلى موضعه، أخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ووضعه في مكانه، وكان حلاً حصيفاً رضي به الجميع ) ...