بقلم: سمية رمضان
المستشار الأسريأنا سيدة في الأربعين من عمري، متزوجة ولدي أربعة من الأبناء، أكبرهم في المرحلة الثانوية، وفي السنة الماضية حدث خلاف بيني وبين أهل زوجي، تدخل أهلي وحدثت مشاكل كثيرة، وبعدها كانت القطيعة بين أهلي وأهل زوجي، وبعدها حاولت الابتعاد عن كل الأطراف حتى أرتاح من المشاكل، ولكني أشعر بتأنيب الضمير بسبب قطيعة الرحم، وبخاصة أن أبنائي أيضًا تأثروا بالمشاكل، ولا يحبون الذهاب إلى أقاربهم من العائلتين، ونحن في شهر شعبان، وقد علمت أن الأعمال ترفع في ليلة النصف من شعبان، وأخشى ألا يتقبل الله طاعتي وأعمالي بسبب قطيعة الرحم، وفي نفس الوقت أشعر بغصة في حلقي بسبب المشكلات التي تسبب الجميع فيها دون إرادة مني، وبخاصة أنهم اتهموني بأشياء لم تحدث مني، وظلموني كثيرا، ولا أتمنى أن يكون أبنائي من قاطعي الرحم، فقد عودتهم من الصغر على الصلة والعطاء، ولكنهم عندما شاهدوا ما حدث تعاطفوا معي، فماذا أفعل أخبروني؟!
أهلا ومرحبا بكِ أختي الكريمة ضيفة عزيزة على صفحة استشارات أسرية بجريدة الفتح اليوم، وأرجو أن نكون عند حسن ظنك بنا وأن يكون ردنا عليكِ باعثًا لسعادتك ومزيلاً لأسباب الشقاء إن شاء الله.
أختي الحبيبة.. سعدت جدا برسالتك لسببين؛ السبب الأول هو حرصك على علاقاتك الاجتماعية وصلة رحمك وحسن تربيتك لأولادك، وكذلك التفكير المستمر في عبادتك والشعور بتأنيب الضمير والحرص على عدم تضييع تلك الأعمال، تقبل الله منا ومنكِ.. آمين.
أختي الحبيبة: لقد تطرقتِ في رسالتك إلى موضوع غاية في الأهمية؛ وهو التربية الاجتماعية لأبائنا، فروافد التربية كثيرة، منها الجانب الاجتماعي والنفسي، وقد يهمل كثير من الآباء هذا الجانب، فيُخرجون للمجتمع جيلا لا يستطيع أن يتفاعل مع المجتمع الخارجي، أو جيلاً أنانيًا لا يفكر إلا في نفسه، ولا يهتم بمن حوله أو يشاركهم إيجابيا، فأشكر لكِ حرصك على تربية أبنائك على صلة الرحم وحب الناس، والعطاء والإيجابية، وإن كان لي عتابٌ عليكِ في تدخل الأبناء كطرف في المشكلة، مما ترك لديهم آثارًا نفسية سلبية تجاه أرحامهم، ولهذا أنصح دائمًا ألا يكون الأبناء طرفًا في أي خلاف سواء كان بين الزوجين، أو بين العائلة أو حتى المعارف والجيران، حتى نخرج جيلاً سويًا، يبني ولا يهدم، ويتفاعل مع الآخرين دون أفكار سلبية وقناعات خاطئة.
أختي الحبيبة: شعبان ورمضان فرصة ذهبية لبداية جديدة، فها هو شعبان ورمضان يأتيان كل عام ليذكرانا بانتهاء عام، وانقضاء عام من عمرنا، ومن يدري هل سنعيش إلى رمضان القادم لندرك ما فات أم لا؟!
فإذا كانت أعمال العام كله ترفع في شعبان، فلتجعلي خاتمة العام مسكًا، وزيني صحفية أعمال السنة بالصلة والتواصل والتسامح؛ فكوني حمامة السلام التي تمد يدها للجميع، متناسية ما كان في العام الماضي، فربما كان هذا شفيعًا لكِ عند رب العزة سبحانه وتعالى في القَبول والغفران، واعتبريها فرصة لتربي أبناءك على خلق جديد وهو التسامح والبر والعطاء بلا حدود، فالتربية بالقدوة من أنجح أساليب التربية العملية، وكما يقال: "فِعل رجُل في ألف رجل.. أفضل من قول ألف رجل في رجل".
أختي.. إذا كان الختام مسكًا، فلابد أن تكون البداية الجديدة عطرة بكل أنواع الطاعات، وليكن شعارنا: عام جديد وحياة جديدة!
نعم حبيبتي.. حياة جديدة لا يشوبها الخصام ولا الخلاف ولا التنازع، بل الحب والمودة والرحمة والعطاء، وأساسها النقاء والصفاء، وتأكدي أنك أول المستفدين من تلك الطاقة الإيجابية، وسيبارك الله لكِ، فالجزاء من جنس العمل، والله هو الكريم ذوالفضل والإحسان.
ورمضان حبيبتي فرصة للتربية، ففي رمضان يمتنع المسلم عن المبيحات، فيتدرب على جهاد النفس وترويضها، وبالتالي يسهل عليه بعد ذلك البعد عن الحرام، فاستثمري رمضان جيدًا في الطاعات، وليكن هناك لقاء يوميًا مع زوجك وأبنائك ولو لفترة قصيرة، تتفقون فيها على عمل معين، كالصدقة أو صلة الرحم أو زيارة دور أيتام أو عمل ما، فيتعود الأبناء على تلك الأعمال ويتدربون عليها، ولو كنتِ ممن يقدمون "شنطة رمضان" للفقراء، فاجعلي أبناءك يشاركون في تجهيزها وتوزيعها؛ ليشعروا بالفقراء وآلامهم، ويتعودوا على العطاء، وكذلك عندما يشاركون في صلة أرحامهم سيكون بالطبع هذا سلوكهم عندما يكبرون، فيصبحون من أهل البر بكم، ولهذا كانت الوصية الغالية من النبي الكريم صلى الله عليه وسلـم: "بروا آباءكم، تبروكم أبناؤكم".
وأخيرا .. تذكري أن شعبان ورمضان فرصة لتقوية الصلات بين الأقارب والعبادة والتربية وعلو الدرجات.. فاستثمريها.
قطيعة الرحم منبع أحزانى.. رمضان فرصة للتغيير!
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة