مستقبل أبنائنــــــــــا.. من يحدده؟!

استشارات
طبوغرافي

بقلم : سمية رمضان
المستشار الأسري

هل حلم الآباء في أن يصبح ابنه طبيبا أو مهندسا أو لاعب كرة أو غير ذلك يتعارض مع أصول التربية السليمة. ويعتبر تعديًا على حقوق الأبناء ؟ وجزاك الله خيرًا.

أهلا وسهلا بك أخي الفاضل ضيفا عزيزا على صفحة استشارات أسرية بجريدة الفتح اليوم، وشكرًا لثقتك بنا.
أخي الفاضل: أحيانا يكون لأحدنا أمنية أو حلم يتمنى تحقيقه منذ الصغر، فلا يستطيع تحقيق حلمه، أو تحول الظروف دون تحقيق هذا الحلم، فلا يملك إلا أن يسقط هذا الحلم على ابنه، فيتمنى أن يرى فيه حلمه المفقود، وبالطبع كل أب وكل أم يتمنى أن يرى ابنه في أفضل حال وفي أعلى مكانة، ومن أهم واجبات التربية الاهتمام بكافة الجوانب السبعة للشخصية لدى الأبناء، وهي (الجانب الإيماني والروحي- الجانب الصحي- الجانب الشخصي- الجانب العائلي- الجانب الاجتماعي- الجانب العلمي والمهني- الجانب المادي).


وقد يهتم أحدنا بجانب على حساب جانب، فقد يهتم الوالدان بالدارسة والجانب المهني على حساب جوانب أخرى، ويمكن أن نجد في المجتمع طبيبا، أو مهندسا، ولكنه لا يجيد التعامل اجتماعيا، أو غير مؤهل لتحمل المسئولية أو اعتمادي أو انطوائي، فهل سنقول وقتها إن الأبوين قد نجحا في التربية؟!


بالطبع لا يعيب الأبوين أن يحرصا على مستقبل ابنهما المهني والوظيفي والعلمي، بل واجبنا جميعا أن نهتم بهذا الجانب وبقوة، ولكن دون أن نفرض أحلامنا عليهم، فربما كانت ميولهم أو قدراتهم لا تؤهلهم لهذا المجال أو ذاك، فوجبنا وقتها أن نكتشف قدراتهم وميولهم ورغباتهم، وأن ننمي تلك القدرات وندعمهم ليتميزوا دون إجبار لهم، بل بالنقاش والحوار الهادئ.


وبالطبع إذا أردنا أن يكون أبناؤنا متميزين فهذا سيتطلب منا جهدا وعملا وتواصلاً بناءً معهم، لتطويرهم بشكل مستمر، وربما وافقت أحلامنا ورغابتنا أحلامهم وتطلعاتهم، وهنا سنجد الدافع القوي عندهم، وبالطبع وجود الدافع الداخلي سيسهل علينا الكثير، وربما يكون لدى أبنائنا قدرات غير عادية ولكنها تحتاج إلى اكتشاف، فبعض الأطفال المبدعين والمتميزين يحتاجون إلى اكتشافهم وتطويرهم، مثل قطعة السكر التي تضعها في كوب الشاي، لو حاولت أن تشرب الشاي دون تقليب فلن تشعر بالطعم الحلو بداخله، لأنك لم تقلبه بعد، أما بعد تقليبه فستجد أن طعمه أصبح حلوا، وهكذا كل الطاقات الكامنة داخل أبنائنا، تحتاج إلى جهد منا لاكتشافها ثم تطويرها، فكما يقولون : (الذكاء يحتاج إلى إذكاء).


ولكن ما اتمناه هو أن ينظر كل منا إلى التربية بمعناها ومفهومها الشمولي، لينشأ الطفل فاهما لدوره داخل المجتمع الكبير، فيصبح فعالا ومتميزا في كافة الجوانب، ليكون سويا نفسيا واجتماعيا، نافعا لنفسه ولمجتمعه.


وفي بعض الأحيان نجد أن أبناءنا يفتقدون للخبرات الاجتماعية والحياتية التي اكتسبناها نحن عبر السنين، فنحاول أن نفرض عليهم تجاربنا الخاصة، ظنا منا أن هذا سيجعلهم يتفادون الوقوع في نفس الأخطاء في حياتهم ومستقبلهم، وكأننا سنعيش لهم حياتهم، وسنلعب دور الوصي على كل تصرفاتهم وأفكارهم وتجاربهم في الحياة، وهذا الأمر في منتهى الخطورة، فالحماية الزائدة للأبناء لا تقل خطورة عن الإهمال في الأبناء وعدم متابعتهم، فالأمر يحتاج إلى حكمة واعتدال وتوازن، وهذا لا يعني أيضا أن نترك لأبنائنا الحبل على الغارب يتصرفون كيفما شاءوا، ولكن علينا متابعتهم بحكمة، مع الحوار والنقاش معهم، ومعرفة وجهة نظرهم، وتبصيرهم بعواقب الأمور، ويمكن أن نحكي لهم بعض تجاربنا في الحياة ليتعلموا منها في المستقبل، ولكن دون فرضها عليهم فرضا، فالحوار والتفاهم وتلاقح الأفكار هو أفضل وسيلة للتواصل والإقناع، وبخاصة في فترات المراهقة، التي يشعر فيها الأبناء بشخصيتهم ويتطلعون فيها إلى إثبات الذات والتميز.


وقد حكت لي صديقة عزيزة وهي أستاذ بكلية الطب بإحدى الجامعات المصرية أن زوجها دخل كلية الطب وتخرج فيها رغما عنه، وكان لا يحب تخصصه، وبعد فترة أتيحت له فرصة العمل في مجال الإعلام في دولة أجنبية، فأصبح له الريادة في هذا المجال، واسمه الآن ملء السمع والبصر؛ فقط لأنه عمل ما يحب ويبدع فيها.


أخي الفاضل ربما يدخل ابنك إحدى الكليات مما يطلق عليه كليات القمة، كالطب والهندسة وغيرها من الكليات، ثم لا يتميز ولا يبدع فيها، فليس المهم أن يدخل أبناؤنا كليات قمة، بل المهم أن يكونوا قمما في كلياتهم وفي مجتمعاتهم، وأن يضيفوا للمجتمع ولأنفسهم. وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، ورزقنا بر أبنائنا .. آمين