الحمد لله الواحد الذي لا شريك له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهًا واحدًا أحدًا فردًا صمدًا، جل عن الأشباه والأمثال، وتقدس عن الأضداد والأنداد والشركاء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا راد لحكمه، ولا معقب لأمره، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، القائم له بحقه، وأمينه ذعلى وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله رحمة للعالمين، وإمامًا للمتقين، وحسرة على الكافرين، وحجة على العباد أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
تأتي هذه الدراسة التي بين أيدينا فـى سياق هذه الشمولية والتميز للتربية الإسلامية محاولة أن تعطي صورة للإعجاز التربوي فـى القرآن والسنة بعناصره المتعددة فـى أساليبه وأنماطه وأمثلته وجوانبه، وأسرار عظمته وتميزه.
ولقد شمل هذا الكتاب بين دفتيه خمسة فصول تشكل فـى مجموعها صورة يانعة ومشرقة للإعجاز التربوي فـى القرآن والسنة وفـىما يلي نستعرض فصول ومباحث هذا الكتاب ونعرض خلاصتها.
الفصل الأول
أنماط التربية فـى القرآن والسنة
محتويات الفصل
المبحث الأول: التربية بالقدوة.
المبحث الثاني: التربية بالقصة.
المبحث الثالث: التربية بالموعظة.
المبحث الرابع: التربية بضرب المثل.
المبحث الخامس: الترغيب والترهيب.
المبحث السادس: الإقناع العقلي.
المبحث السابع: الحوار والنقاش.
المبحث الثامن: التوجيه غير المباشر.
المبحث التاسع: ترك استخراج الجواب المتعلم.
المبحث العاشر: العقاب والثواب.
المبحث الحادي عشر: أسلوب التشويق فـى التعليم.
خلاصة هذا الفصل:
1- هناك العديد من الأنماط والأساليب التربوية التي جاء بها القرآن واتبعها النبي صلى الله عليه وسلم – فـى تربية أصحابه، فكانت نعم المعين على تربية ذلك الجيل الفريد من الصحابة ومن سار على منوالهم على حب الله ورسوله والشجاعة فـى الحق والتراحم مع المسلمين وكف الأذى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل ذلك بنفس راضية محبة ترى أن عليها رسالة حمل هذا الدين وتبليغه، والجهاد فـى سبيل الله بنفس راضية مطمئنة.
2- ومن هذه الأنماط والأساليب القدوة الحسنة التي تعد من أبرز أساليب التربية وأنجحها وأخصر طريق للهداية والإصلاح كما أن لها مكانة كبيرة فـى القرآن والسنة، فنجاة الأمة فـى الدنيا والآخرة، وعصمة المؤمنين بحبل الله وظله، وتمسكهم بالحياة الإيمانية التي تنشر بينهم المودة والرحمة والتماسك والتواصل كل ذلك رهين بالقدوة الحسنة التي تقود المؤمنين إلى رحاب ربهم، وسعادتهم فـى الدنيا والآخرة.
3- كما أن للقصة أثر عظيم فـى التربية، فهي محببة إلى النفوس، كما أنها تعلق بالذهن لا تكاد تنسى، بالإضافة إلى عنصر التشويق الذي تتمتع به مما يجذب انتباه السامع، ويجعله مهيئًا لتلقي العظة والعبرة، ولقد جاء القرآن بالكثير من القصص التي تنضوي تحتها كثير من العظات والعبر المؤثرة، ولقد تنوعت أنماط هذه القصص، فمنها قصص الأنبياء، وقصص الجبارين، وقصص المؤمنين، وقصص الكافرين مع بيان خاتمة كل فريق وجزاءه مما يحمل أكبر الأثر فـى تثبيت المؤمنين على طريق الحق والهدى، ولقد استخدم النبي – صلى الله عليه وسلم – العديد من القصص فـى تعليمه وتربيته للصحابة الكرام رضي الله عنهم.
4- ومن الأنماط التربوية الأخرى التي جاءت فـى القرآن والسنة التربية بالموعظة الحسنة ولا شك أن للموعظة أثرها البالغ فـى النفوس، ومكانتها العظيمة فـى التربية، وذلك لأنها تخاطب القلب، وتتجه إلى العاطفة الكامنة فـى الإنسان فـىكون لها أكبر الأثر، وفـى القرآن الكريم نماذج كثيرة للمواعظ المحكمة المؤثرة التي تلامس القلوب، وتبكي لها قلوب المؤمنين قبل عيونهم، ولا يعرض عنها إلا من لم يجعل الله له حظًّا من الهداية والنعيم، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يعظ الصحابة – رضي الله عنهم – فـيبكيهم، لما فـى قلوبهم من الإيمان ولما عرفوا من الحق، وكانت موعظة النبي صلى الله عليه وسلم تتميز بالإيجاز والتأثير، كما أنه – صلى الله عليه وسلم – كان من هديه أن يتخول أصحابه الموعظة مخافة السآمة والملل عليهم، كما كان يأتي فـى موعظته بالكلام المحكم الفصل البين.
5- ومن الوسائل التربوية فـى القرآن والسنة ضرب الأمثال للناس لعلهم يتفكرون، والمراد بضرب المثل سوق المواقف، والقصص، والوقائع المتشابهة، ليستدل بالحاضر على الغائب، وبالمحسوس على غير المحسوس، أو بالمحسوس من المواقف والوقائع على نظائرها وأشباهها، والمقصود من ضرب المثل تقريب الأمر للمخاطب، وترسيخه فـى ذهنه لتحصل العبرة والعظة من ذلك، وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذم وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر وتحقيره، وعلى تحقيق أمر أو إبطاله، ولقد ضرب الله - تعالى - المثل بالعنكبوت، والبعوضة، والذباب، وغير ذلك، وكل أمثال القرآن عظيمة مؤثرة، تأخذ بالقلوب، وتهز النفوس، وتجسد المعاني فـى صور ماثلة للعيان كأن المرء يحسها ويلمسها بيده، وأيضًا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يضرب الأمثال للصحابة ليعلمهم ويربيهم على الحياة الإيمانية، ومن ذلك تشبيهه – صلى الله عليه وسلم - الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السوء بنافخ الكير.
6- هذا بالإضافة إلى العديد من الأساليب الأخرى فـى التربية، منها: الترغيب والترهيب، والإقناع العقلي، والحوار والنقاش، والتوجيه غير المباشر، وترك استخراج الجواب للمتعلم، والثواب والعقاب، وأسلوب التشويق فـى التعليم، وغير ذلك من الأساليب العظيمة التي كانت لها ثمرتها فـى تربية جيل الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
الفصل الثاني
الإعجاز التربوي من خلال تحليل بعض النماذج القرآنية
محتويات الفصل
المبحث الأول: موسى والخضر وأدب طلب العلم.
المبحث الثاني: دعوة الابن لأبيه فـى سورة إبراهيم.
المبحث الثالث: لقمان ووصايا الأب لابنه.
المبحث الرابع: أهل الكهف ورحلة الثبات على الحق.
المبحث الخامس: قصة ذي القرنين ونموذج الحاكم الصالح.
*خلاصة هذا الفصل:
1- تحمل قصة موسى والخضر كثيرًا من القيم التربوية منها تواضع وأدب طالب العلم فـى رحلته مع مؤدبه ومعلمه كما فعل موسى – عليه السلام –ومن بين الآداب التي تحملها هذه القصة حلم العالم ورفقه بتلميذه كما تعطي هذه القصة قيمة كبيرة للصبر والطاعة فالصبر كان الشرط الأول للخضر – عليه السلام وفـى رد موسى – عليه السلام – إعلاء لهذين المطلبين من طالب العلم، وهما الصبر والطاعة: [قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا] [ الكهف: 69]، كما أن فـى قصة موسى والخضر - عليهما السلام - تنبيهًا على المنع من السؤال قبل أوان استحقاقه.
2- وفـى قصة إبراهيم – عليه السلام – مع أبيه نرى عددًا من التوجيهات والآداب التي يريد أن يزرعها الله فـى قلوب المؤمنين منها الرفق والأدب مع الوالد حتى ولو كان كافرًا، فلقد كانت عباراته – عليه السلام – كلها محملة بهذه الدلالات من الأدب والرفق مع الوالد ومراعاة حق الأبوة.
كما تميزت القصة بأدب الإقناع العقلي فـى الدعوة إلى الله، فإبراهيم – عليه السلام – يبين لأبيه أن ما يعبده لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنه شيئًا، ويبين له أن الشيطان كان للرحمن عصيًّا، والدلالة الأخرى التي نتعلمها من هذا الحوار الدعوي بين إبراهيم وابيه، هو أن التوحيد والإيمان فوق علاقة النسب الحميمة: فإبراهيم حينما تبين له أن أباه صد عن طريق الهداية، وأعرض عن طريق الحق تركه إبراهيم، ولكن فـى رفق وإحسان قائلًا: سلام عليك سأستغفر لك ربي، وإذا كان هذا المشهد الدعوي الذي دار بين إبراهيم وأبيه يزخر بالأدب والرفق من الابن لأبيه المخالف فـى العقيدة فما بالك بعلاقة الابن بأبيه الموافق له فـى الدين الممتلئ قلبه بالإيمان إنه درس مضيء فـى بر الوالدين، وحقهما الذي أكده القرآن ودعت إليه السنة النبوية.
3- جاءت قصة لقمان مع ابنه ووصاياه له محملة بكثير من الوصايا التي تؤدي إلى سعادة المرء فـى الدنيا والآخرة، والتي لا غنى عنها لأب يريد توجيه ابنه إلى الطريق الأمثل وسبيل الحق والهدى، فمن هذه القيم:
- التوحيد التام، وهو ما يفهم من الأمر: لا تشرك.
- بر الوالدين فـى صورته المضيئة الناصعة العامة لكل إنسان.
- الإنابة إلى الله رب العالمين واتباع سبيل الحق، والعلم دائمًا أن إلى الله المرجع والمآب
- المراقبة والعلم بأن الله يعلم ما فـى النفس ولا يخفى عليه شيء
- إقامة الصلاة، الركن الأول الذي يصل بين العبد وربه .
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يكون المؤمن فردًا صالحًا فـى المجتمع.
- الصبر ذلك الخلق الذي يعين المؤمن فـى حياته كلها، يعينه على تحمل البلاء، ويعينه على أداء العبادات، ويعينه على ترك المنهيات، فذلك الخلق الذي يلازم المؤمن فـىذيب أمامه كل العقبات بإذن الله تعالى.
- عدم الكبر والتعالي والدعوة إلى التواضع.
4- فـى قصة أصحاب الكهف ما يشد من أزر المؤمنين فـى كل عصر، وما يرفع من هممهم فـى المحافظة على دينهم والاستمساك به مهما واجهوا من الآلام والصعوبات، فعليهم الصبر والتصبر والرغبة فـيما عند الله تعالى.
5- وفـى قصة ذي القرنين كما أوردها القرآن نموذج للحاكم الصالح الذي يضع كل شيء موضعه، ففـى هذه القصة تواضع الحاكم المؤمن لله، وإسناد الأمر إليه، والاعتراف بفضله، وعدم تأخر الحاكم من فعل الخير ومساعدة المحتاجين، وعدل الحاكم وإعطاء كل ذي حق حقه، واتباعه الأسباب، وإرسائه لمبدأ التعاون بين الجماعة المسلمة.
إن النماذج القرآنية التربوية كثيرة ومتنوعة، ومحملة بالعديد من الجوانب الإعجازية والقيم الأخلاقية، وهي معين لا ينضب يفـىء إلى ظله طالب الحق والهدى فـىجد فـىها ما يملأ قلبه إيمانًا وحكمة، وما يملأ حياته سعادة، وما يقوده إلى طريق الخير، وإذا كنا توقفنا فـى هذا الفصل مع بعض النماذج السابقة للتربية القرآنية، فإننا بحاجة إلى أن نقف عند بعض النماذج القصصية التربوية فـى السنة النبوية حتى تكتمل الفائدة، وهذا ما سنتعرض له فـى الفصل التالي، وهو بعنوان: نماذج تربوية تطبيقية من السنة النبوية، وبيان وجه الإعجاز فـىها.
الفصل الثالث
نماذج تربوية تطبيقية من السنة النبوية وبيان وجه الإعجاز فـىها
محتويات الفصل
المبحث الأول: قصة أصحاب الغار وصور لصالح الأعمال.
المبحث الثاني: الغلام عمر بن أبي سلمة ونموذج تربية الصغير.
المبحث الثالث: وصايا النبي – صلى الله عليه وسلم – لابن عباس والدروس المستفادة.
المبحث الرابع: الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا والدروس المستفادة.
المبحث الخامس: أم سليم والصبر على فقد الولد.
المبحث السادس: الغلام والملك الظالم والتوكل على الله.
المبحث السابع: الرجل والكلب الظميء وقيمة الرفق.
المبحث الثامن: الزائر أخاه وقيمة الإخاء والحب فـى الله.
*خلاصة هذا الفصل:
1- تحمل قصة أصحاب الغار العديد من الدلالات التربوية منها: استحباب الدعاء حال الكرب والتوسل بصالح العمل، وإن هذا هو السبيل القويم لتفريج الكرب، فالله – سبحانه وتعالى – لا يترك مضطرًّا دعاه بصالح عمله، ولا يخذل عبدًا أخلص له، وعلم أن النجاة بيد الله وحده، وطاعة الوالدين وخدمتهما سبب عظيم بعد توحيد الله فـى دخول الجنة، وتفريج الكروب وقضاء الحوائج والحفاظ على أعراض المسلمات عامة وذوي القرابة خاصة من الأسباب المنجية من المحن ومن دلالاتها التربوية أن العدل فـى الأحكام والتعامل بصدق مع الخلق ورد المستحقات لأهلها والحكم بالقسط والعدل فـى القضايا من أعظم المنجيات من المهلكات.
2- وفـى قصة عمر بن أبي سلمة – رضي الله عنه- مع النبي – صلى الله عليه وسلم – يرشدنا النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى مخالطة الأطفال والرفق بهم ورحمتهم حيث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل مع الصغار، وهذا يدل على رحمة النبي – صلى الله عليه وسلم – ورفقه، ولقد أحسن الرسول - صلى الله عليه وسلم - التوقيت المناسب لعلاج خطأ ابن أبي سلمه، وذلك عندما كان الخطأ مستمرًّا فـىه، فـىجب تصحيحه مباشرة قبل أن يتحول الخطأ إلى عادة مكتسبة، كما أن النبي – صلى الله عليه وسلم - بدأ بمناداة المتعلم بصيغة ((يا غلام)) وهذه المناداة محببة لنفس المتعلم عمر بن أبي سلمة – رضي الله عنهما – فـىكون ذلك أدعى لانتباهه واستجابته للنصيحة.
ولم يعالج الرسول - صلى الله عليه وسلم - طيشان يد أبي سلمة بالإناء فقط إنما أراد – عليه الصلاة والسلام – أن يشمل التصحيح منذ البداية الأولى وهي الجلوس للأكل فقط، فقال - عليه الصلاة والسلام: يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك.
3- وفـى حديث النبي – صلى الله عليه وسلم لابن عباس وهو غلام ووصاياه الجامعة له يرشدنا النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى وجوب تعليم الناس العقيدة الصحيحة، وتربيتهم عليها، وعلى العلم النافع، ويكون ذلك بأسلوب مختصر، وكلم جامع واضح، كما يستفاد من الحديث استحباب تشويق المتعلم، وتهيئته بلطف العبارة، وتنبيهه إلى أهمية ما يلقى إليه، وإشعاره بسهولة حفظه ووعيه ليسهل عليه تلقيه واستيعابه، وبالتالي حفظه ووعيه، وفـى الحديث أيضًا إثبات صفة الحفظ لله تعالى، وإذا حفظ العبد توحيده، وراعى حقوق ربه، فعندئذ يحفظه الله؛ فـى دينه، وفـى بدنه وماله وأهله، ومن حفظ الله – تعالى - فـى صباه وقوته حفظه لله فـى حال كبره، وضعف قوته، ومن حفظ الله بحفظ توحيده وشريعته، وقام بأوامر الله تعالى، واجتنب نواهيه وجد الله تجاهه وأمامه، والإيمان بالقضاء والقدر، والاعتماد على الله وحده، فـى كل الشؤون، كما يجب على كل مسلم أن يعلم علم اليقين أن النصر مع الصبر، وأن بعد العسر يسرًا.
4- وفـى قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا مع الراهب والعالم نتعلم ضرورة المبادرة إلى التوبة وعدم القنوط من رحمة الله، وفـىه أن المفتي قد يجيب بالخطأ، وفـىه إشارة إلى قلة فطنة الراهب، وفـىه أن الملائكة الموكلين ببني آدم يختلف اجتهادهم فـى حقهم بالنسبة إلى من يكتبونه مطيعًا أو عاصيًا، وأنهم يختصمون فـى ذلك حتى يقضي الله بينهم، وفـىه الفائدة الكبرى والأهم، وهي فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فـىها المعصية لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك والفتنة بها وإما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه، ولهذا قال له الأخير: ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، ففـىه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها فـى زمن المعصية، والتحول منها كلها والاشتغال بغيرها.
5- وفـى قصة أم سليم وأبي طلحه - رضي الله عنهما – وصبرهما على فقد الولد نجد أنفسنا أمام نموذج مضيء للمرأة المسلمة الصابرة التي تؤثر رضا الله على عواطفها، وتصبر على فقد ولدها صبرًا جميلًا، نتعلم العديد من القيم التربوية، منها: الصبر والرضا بقضاء الله – سبحانه على كل حال، والتسليم له – تعالى – فـيما قضى وقدر بنفس راضية مطمئنة، ومنها: عون المرأة لزوجها على الالتزام بأوامر الله، ومشاركته فـى محنته وحضه على الصبر والطاعة كما فعلت أم سليم، كما نتعلم من قصتهما أن الله يجزي الصابرين الجزاء الأوفى، ويعطي الصابر أجره بغير حساب فـى الدنيا والآخرة.
6- وفـى قصة الغلام مع الملك الظالم يضرب لنا مثلًا رائعًا فـى الفداء والصبر والتضحية بالنفس من أجل الدعوة إلى الله حينما قال للملك: تَجْمَعُ النَّاسَ فـى صَعيدٍ وَاحدٍ وتَصْلُبُني عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فـى كَبدِ القَوْسِ ثُمَّ قُلْ: بسْم الله ربِّ الغُلاَمِ، ثُمَّ ارْمِني، فَإنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ قَتَلتَني، لقد كان هدفه الأول هو هداية الناس إلى طريق التوحيد حتى لو كان ذلك لا يتأتى إلا بصلبه وقتله، لقد جاد بنفسه راضيًا فـى سبيل الله – تعالى – وفـى سبيل الحق، رجاء أن يؤمن الناس بربه الواحد الأحد، إن هذا الثبات على الحق وجود الغلام بنفسه غرس فـى الذين آمنوا بعد موته صلابة فـى دينهم، وتضحية بأنفسهم فـى سبيله.
7- وفـى قصة رفق الرجل بالكلب الذي اشتد به العطش نتعرف على رحمة الإسلام الشاملة التي يدخل تحتها الحيوان الأعجم، الذى سخره الله لخدمة الإنسان، فمن الواجب صيانة هذه النعمة حتى يدوم الانتفاع بها، بل إن رحمته شملت الحيوانات الأخرى التى لا تظهر فـىها المنفعة المباشرة فى الأمور الأساسية للحياة؛ لأنها على كل حال مخلوقات تحس بما يحس به كل حيوان.
8- ونحن مع القصة الأخيرة مع درس فـى الأخوة فـى الله، تلك الأخوة التي تقوم على المحبة والإخلاص والتقوى، وتثمر رضا الله ومحبته والفوز فـى الدنيا والآخرة، وتزيد من تماسك المجتمع، وتنمية الأخلاق الفاضلة كالإيثار والبذل والستر، والدفاع عن أعراض المسلمين والتعاون بين أفراد المجتمع المسلم الأخوة المتحابين بغية رضا الله فـى الدنيا والآخرة.
هذه رحلتنا مع بعض القصص التربوية فـى السيرة النبوية رحلة إيمانية تنزل على القلب طمأنينة، وعلى الروح هدى، تحمل هذه النماذج قيمًا عالية للتربية القويمة التي تنشئ المسلم القوي السوي، وتحتوي على العديد من الأخلاق التي يقوم عليها الحب والمودة والطهارة والنقاء، وبعد عشنا مع هذه القصص التربوية النبوية الكريمة نتناول جانبًا آخر أولاه القرآن والسنة اهتمامًا كبيرًا وهو تربية الطفل ذلك الجانب الذي يعد من أهم الجوانب فـى التربية الإسلامية لأنه الأساس الذي يقوم عليه الفرد المسلم والمجتمع المسلم، وهذا ما نتناوله فـى الفصل التالي، وهو بعنوان: الإعجاز التربوي للقرآن والسنة فـى تربية الطفل.
الفصل الرابع
الإعجاز التربوي للقرآن والسنة فـى تربية الطفل
محتويات الفصل
المبحث الأول: البناء الإيماني والأخلاقي للطفل.
المبحث الثاني: البناء العاطفـى للطفل.
المبحث الثالث: البناء البدني للطفل.
المبحث الرابع: أحكام خاصة بالطفل.
*خلاصة هذا الفصل:
1- عني الإسلام فـى تربية الطفل الإيمانية والأخلاقية أن يضع أمامه أهم مصادر الاستقامة الإيمانية التي تضمن له الاستمساك بالعقيدة الصافـية والتي تمثل زادًا فـى حياته كلها، وهذه المصادر هي شهادة أن لا إله إلا الله التي تلامس أذنه بعد الولادة، ثم أمره بالصلاة ذلك الركن الذي يعد أعظم أركان الإسلام، ثم دعا الإسلام إلى ترغيب الصغير فـى حفظ القرآن حتى يبنى إيمانه على المصدر الناصع للإسلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
2- كما حرص الإسلام على تعويد الطفل على القيم الأخلاقية فـى صغره حتى يشب مسلمًا محملًا بالقيم الأخلاقية العظيمة، التي تجعله عضوًا صالحًا فـى المجتمع المسلم يكون أهلًا لحمل الشدائد.
3- حرص الإسلام على مراعاة السمات العاطفـية للطفل، فدعا إلى الرفق فـى معاملة الطفل حتى يحمل الطفل ذلك الخلق فـى حياته كلها، كما راعى الإسلام الحالة الخاصة لليتيم، وما يمر به من الشعور بفقد الأب فحض على الإحسان إليه وإكرامه وكفالته.
4- ترك لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – نماذج مضيئة فـى التعامل مع الأطفال فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يداعب الأطفال ويمازحهم ويرفق بهم، ولا شك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لنا خير قدوة وأسوة فـى أمور ديننا ودنيانا.
5- عني الإسلام بالتربية البدنية للطفل حتى يكون فردًا يتمتع بالقوة التي يحتاجها الفرد المسلم فـى تحمله لأعباء الدعوة، والجهاد فـى سبيل الله، ونفع مجتمعه بما حباه الله من قوة، ولذلك دعا الإسلام إلا الاهتمام بهذا الجانب عند الأطفال فأمرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – أن نعلم أبناءنا السباحة والرماية وركوب الخيل، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعلم الصحابة المسابقة، والفروسية كل ذلك يصب فـى قوة الفرد المسلم التي يستفـىد منها المجتمع بصفة عامة.
6- فـى أحكام الإسلام التي وضعها للطفل تتمثل عظمة الإسلام الذي يراعي مصلحة الصغير الضعيف، ويوجب له ما يحافظ على حقوقه فـى هذه المرحلة التي لا يملك فـىها الاختيار؛ فقد أوجب له اختيار الاسم الحسن والعق عنه، وأوجب له الرضاعة والنفقة حتى يشب عضوًا صالحًا فـى المجتمع المسلم.
الفصل الخامس
جوانب الإعجاز التربوي فـى خصائص التربية الإسلامية فـى القرآن الكريم والسنة النبوية
محتويات الفصل
المبحث الأول: التربية بمراعاة الفطرة (موافقة الشريعة للفطرة).
المبحث الثاني: التربية بالمعايشة.
المبحث الثالث: التربية الأسرية الشاملة.
المبحث الرابع: التربية بالعادة.
المبحث الخامس: التربية بالتدرج.
المبحث السادس: خصائص القيم التربوية فـى القرآن الكريم.
خلاصة هذا الفصل:
1- إن الفطرة متأصلة فـى قرارة النفس الإنسانية إذ هي تعلم أن هذا الكون بكل ما فـيه من عجائب وأمور عظام هو مخلوق لله الواحد الأحد، ولذا جاء الإسلام ليعيد الإنسان إلى فطرته الأولى والطريق الحق، ويزيل الوسائط بينه وبين الله، فكانت إحدى خصائص التربية الإسلامية هي موافقة الإسلام للفطرة.
2- المتأمل فـى أحكام الإسلام يجد التوازن الذي لا يغفل جانبًا إنسانيًّا على حساب جانب آخر، كما أنه لا يغفل أي جانب فـى حياة الفرد والجماعة، لقد وضع الإسلام على كل حقوق، وأعطى كلًّا واجبات، ومن يتأمل الواجبات والحقوق التي جاء بها الإسلام يجد أنها تصب كلها فـى مصلحة الإنسان فالإسلام جاء بمنهج التكافل بين المؤمنين، وهو ما يعود على الجميع بالخير، والإسلام حض على عدم أكل مال الغير، والعدل، وعدم الظلم وهو ما يشعر الفرد المؤمن فـى ظل هذا المجتمع بالأمان والراحة النفسية، حيث يكون مطمئنًا أنه لن يظلم، ولن يهضم حقه، ولن يعتدى على نفسه ولا عرضه.
3- التربية بالعقاب والثواب تحدث عنها القرآن الكريم وتتضح معالمها جلية فـى قصة ذي القرنين فـى قوله تعالى: [قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا] [الكهف: 87، 88]، ولقد اتبع النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا الأسلوب فـى تربية أصحابه، وقد اتخذ هذا المنهج عند النبي – صلى الله عليه وسلم – صورًا منها الغضب، ومنها العقاب بالفعل، ومنها الهجر، إلا أن ذلك لم يكن هديه الراتب - صلى الله عليه وسلم - فقد كان الرفق هو صفته وهديه – صلى الله عليه وسلم.
4- يتمثل مفهوم المعايشة فـى التربية أن يكون المربي والمعلم مخالطًا لمن يتعلم، ومن يتلقى عنه فـى أمور حياته، وليس منعزلًا عنه لا يعرف من أحواله وأموره شيئًا، ولقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم –يخالط أصحابه ويسأل عنهم، ويعودهم إذا مرضوا، وكان لهذا أثره الكبير فـى حب الصحابة للتعلم وإخلاصهم فـى تلقي الدعوة.
5- من الأسس العظيمة التي جاء بها الإسلام فـى تربية الأسرة أن جعل الإساس الذي تبنى عليه الأسرة المسلمة يقوم على الصلاح والإيمان والعفاف حتى يثمر ذلك البناء بيتًا صالحًا وذرية صالحة تكون لبنة فـى المجتمع المؤمن الذي يعبد الله حق عبادته.
6- والإسلام ينظر إلى التربية بالعادة على أنها وسيلة من وسائل التربية، فـيحول الخير كله إلى عادة تقوم بها النفس من غير جهد وبغير مقاومه، ولا يعني هذا أن يتحول الفعل إلى آلية جامدة فـى الأداء فالإسلام يحول دون هذه الآلية الجامدة فـى الأداء بالتذكير الدائم بالهدف المقصود من العادة، والربط الحي بين القلب البشري وبين الله ربطاً تسري فيه الاشعاعة المنيرة للقلب، فهو يهدف إلى استمرارية العبادة مع استشعارها دون النظر فـى الكم.
7- اتخذ الإسلام التدرج فـى التربية والدعوة والتعلم منهجًا بارزًا، ولم يعرض الإسلام جملة واحدة، بل تدرج النبي – صلى الله عليه وسلم – فـى تربية الصحابة الكرام حتى أثمر هذا المنهج وجعل منهم أعظم جيل عرفه التاريخ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَنَسْأَلُكَ حُبًّا يُقَرِّبُنَا إِلَى حُبِّكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الصِّدْقَ وَالوَفَاءَ، ونَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَنَسْأَلُكَ إِخْلَاصَ الأَتْقِيَاءِ، وَنَسْأَلُكَ مَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَنَسْأَلُكَ أَنْ تَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ صلى الله عليه وسلم.
وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، والحمد لله رب العالمين.