وأول هذه الطرق التى يمكننا أن نتخذها؛ هى تغيير الطريقة التى نرى بها أنفسنا (من تكون؟ وماذا تكون؟) الأنا تجعلنا نندمج مع الجسد بدلًا من أن نرى أنفسنا مخلوقات روحانية، تعيش لفترة محددة فى أجسام مادية إذا اعتدنا أن تكون لدينا الرغبة فى النظر إلى أنفسنا، وإلى من حولنا على أنها كائنات روحية لا كأجساد، فسيصبح من السهل أن نرى قيمة التسامح.
أنا شخصيًّا مقتنع أنه لكى نكون سعداء حقًا ينبغى أن نتعلم قيمة التسامح، ونحبّ أنفسنا والأخرين فتخطى بالسلام والسعادة ... عندما نتوقف عن إلقاء اللوم على الأخرين أو الأشياء ... عندما نصاب بأذى فاللوم لا يعيد إلينا السعادة التى نرجوها، ولا حتى النيل ممن أذانا والتسامح فقط هو الطريق إلى تحقيق ما نصبو إليه؛ لذلك يجب أن نكون هؤلاء الأشخاص الذين يترجموا الغضب والأذى، والمرارة والألم فى كل من الصراعات الداخلية والخارجية إلى تسامح.
لقد حان الوقت للكفِّ عن الهجوم على أجسادنا بأفكارنا السلبية، وتحويل أفكارنا القاسية المتزمتة إلى ردود أفعال عصبية، تهاجم أجسادنا وتصبح عوامل أساسية فى تطور الأعراض لكثير من أنواع الأمراض المختلفة، شأنها فى ذلك شأن الأمراض العضوية الفعلية، فالتمسك بالأفكار المتصلبة له تأثير قوى على صحتنا العامة، بغض النظر عن وصف المعاناة التى نعانى منها فمن الحكمة دائما أن نقاوم ونستأصل من عقولنا الأفكار السيئة، ومن قلوبنا المشاعر المدمرة؛ التى تحول بيننا وبين السعادة ... بيننا وبين الاستقرار النفسى والصحى ... بيننا وبين التوازن العاطفى مع الذات والأخرين.
ونحن لا نفضِّل تقبُّـل سلوك التمسك بالأفكار المتزمتة ونختار فعلاً المعاناة، وربما أخبرتنا الأنا بأنها هى الطريقة المثلى لمعاقبة أولئك الذين آذونا، ولكننا نؤذى أنفسنا دائما بتذكر أن الألم والخوف والشك والمرض غذاء الأنا، فهى رديف بل تمقت السلام والحبّ والسعادة والصحة، ومتشبثة بأسلحتها، إنَّ الأنا العنيدة من الممكن أن تسامح بعض الشيء ولكنها لا تسامح إلى الأبد، أو بالعمق المطلوب؛ للتخلص من أنانيتها التى تعتبر أنانية لا إرادية.
وهناك طريقة أخرى تحاول الأنا من خلالها التحكم فى نياتنا، وهى أن نسامح شخصًا ما... ولكن! نحتفظ بمفهوم الأنا الذى نميل إلى تصديقه، هو أننا إذا لم نستمر فى التمسك بالضغينة تجاه هذا الشخص الذى آذانا؛ فإننا نحيط أنفسنا بالخطر، والمشكلة أن هذا النوع من الطاقة السلبية دائمًا ما ينمو بداخلنا ويؤثر علينا سلبًا.
تذكّر عزيزى القارئ أن أفكارك ومعتقداتك تحدد كيفية ممارسة حياتك، والهدف من التسامح أنه يحررنا من الماضى، ويحررنا من الضغائن والشكاوى التى نحملها للأخرين، وبدلًا من أن نجد أنفسنا فى مواجهة الخطر؛ فإن تسامحنا يتيح لنا أن نعيش بصورة أعمق فى الحاضر، ويساعدنا فى الحاضر؛ كى نرى المستقبل بشعور مسالم، فيمكن أن يمتد الحاضر المسالم إلى المستقبل فيندمجان كأنهما شيء واحد، وللأسف فإن معظمنا يعيش فى الواقع، حيث يصبح كل من الماضى المخيف سببًا لمستقبل مخيف، وتخلق معتقداتنا حقيقة أن الأسوأ هو الأتي.
يمكن للكتابة أن تكون أداة قوية فى عملية التسامح، ومعالجة العلاقات الإنسانية، فيمكن لقصيدة أو خطاب لصديق، أو صفحة أو اثنتين فى مجلة، أو حتى خطاب غير بريدى إلى شخص سبب لك ألمًا، أن تعبر عن المشاعر التى كان من الصعب التعبير عنها مع كونها جديرة بالتكريم.
فالطفل الخائف الذى يعيش بداخلنا.. يمكن علاج خوفه عن طريق حبك، ومن خلال عملية التسامح، وليحدث ذلك فقد تحتاج للوقوف أمام صورتك وأنت طفل، وصورتك وأنت صبى ضع صورك على المرآة أو فوق مكتبك، أو فى أى مكان يذكرك بها، وأحب الطفل الخائف الذى بداخلك كل يوم، فلعلك تجده وقد أصبح أكثر نضجًا ومحبة وبهجة.